الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
«كلّ ما فعلتموه بأحد إخوتي الصغار فبي فعلتم»
(إنجيل متى 25: 40)
موضوع التأمّل: الدين والعدالة في مواجهة الاحتلال

عبر العصور، استغلّ كثيرٌ من الناس بعض النصوص الدينية لتبرير أشكالٍ متنوعة من الاحتلال والظلم حول العالم. ففي أمريكا اللاتينية، مثلًا، كانت الكنيسة في حقبةٍ ما جزءًا من النظام الاستعماريّ الذي برّر نهب أراضي السكان الأصليين وإخضاعهم باسم “التحضّر” و“الإيمان”. وفي جنوب إفريقيا، اعتمد بعضُ العنصريين على نصوصٍ كتابية لتثبيت نظام الفصل العنصري، حيث روّجت السلطة لفكرة أن الله قد خلق “أعراقًا” مختلفة لكلٍّ منها مكانُه المحدّد. أما في فلسطين، فلا يزال الاحتلال الإسرائيلي قائمًا، حيث يُستخدم خطابٌ دينيٌّ مماثلٌ لتبرير التوسّع الاستيطاني والتهجير القسري، وكأنّ الأرض ملكٌ لشعبٍ واحدٍ فقط، متناسين معاناة السكّان الأصليين الذين يواجهون القهر كل يوم.

لكن وسط هذا الظلم، برز مَن يرفض توظيف الدين بهذه الطريقة الخاطئة، مؤكدًا أنّ الله ليس مع المحتلّ، بل مع المظلوم والمقهور. ففي أمريكا اللاتينية، التي خضعت يومًا للقوى الاستعمارية الإسبانية والبرتغالية، برز من داخل الكنيسة نفسها مَن قاوم الهيمنة، مثل الأسقف بارتولومي دي لاس كاساس. وفي زمننا المعاصر، قال اللاهوتي جوستافو جوتييريث: «لا يمكن الحديث عن الله من دون الحديث عن تحرير الفقراء.» هذه الكلمات كانت صرخةً ضد كل من استغلّ الإيمان لتبرير قهر الإنسان، فشهدت المنطقة تطوّرًا في علم اللاهوت يعيد الاعتبار للمظلوم، وينتصر للعدالة بدلًا من دعم الاستغلال والتفرقة الطبقية.

وفي جنوب إفريقيا، حيث كانت حركة الفصل العنصريّ تسخّر نصوصًا دينية لتبرير التمييز العنصري، تصدّى الأسقف ديزموند توتو لهذه الادعاءات قائلًا: «إذا كنتَ محايدًا في حالات الظلم، فقد اخترتَ جانب الظالم.» لقد كشف توتو كيف استُخدمت النصوص المقدسة لإدامة القمع والفصل العنصري، مشددًا على أنّ الدين دعوةٌ للعدالة والمساواة، لا أداةٌ للظلم.

أما في فلسطين، حيث يستغلّ بعض دعاة الاحتلال النصوص الدينية لتبرير الاستيطان والتهجير القسري للفلسطينيين، فيؤمن المسيحيّون هناك أنّ الله ليس بائع عقارات يوزّع الأرض على مَن يشاء، بل هو إله العدل والسلام. ومن يقمع أخاه باسم الله ينكر الله نفسه؛ فإرادة الله ليست في اضطهاد أي شعب، بل في تحرير الإنسان من كل أشكال العبودية والاستعمار. لذلك، وجب رفض أي توظيف سياسي للدين يبرّر ظلم الاحتلال، لأن الإيمان الحقيقي يدعو إلى الحرية والعدالة للجميع، بغضّ النظر عن العرق أو الدين.

ومهما اختلفت السياقات التاريخية والجغرافية، فإنّ الرسالة واحدة: لا يمكن للدين أن يكون أداةً للقهر، بل يجب أن يبقى قوّةً دافعةً لتحرير الإنسان وصون كرامته. لذا، لا بدّ من مواجهة الاحتلال في كلّ صُوَره، الاستيطانية والاقتصادية والثقافية. فالإيمان الأصيل لا يمنح أحدًا الحقّ في سلب حقوق الآخرين. وفي كلٍّ من أمريكا اللاتينية، وجنوب إفريقيا، وفلسطين، نرى كيف وقف لاهوتيّون وشخصيّات دينية ضد محاولات استخدام الدين لتبرير القهر. ويكفي أن نستحضر كلمات أوسكار روميرو، شهيد السلفادور، الذي قال: «نعم، سنكون صارمين في الدفاع عن حقوقنا، ولكن بمحبّة كبيرة في قلوبنا. لأنّنا بالدفاع عنها، بالمحبّة، نسعى أيضًا إلى اهتداء الخطأة. هذا هو انتقام المسيحيّ.»

الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
الرسومات للفنان الأرجنتينيّ: آدولفو إسكويبيل Adolfo Pérez Esquivel