الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
«أعطنا خبزنا بما يكفي يومنا»
(إنجيل متى 6:11)
موضوع التأمّل: الفقراء الذين بلا أرض
في هذه المرحلة من مسار آلام المسيح، يسقط يسوع مرّةً أخرى تحت ثقل صليبه، ومعه يحمل كلّ ظلام العالم ومعاناته، مثلما يحمل الفقراء تحت وطأة الاضطهادات الاجتماعيّة والاقتصادية في عالمنا اليوم. وكما يسقط المسيح تحت الصليب، تسقط الأرض نفسها التي هي هبة من الله. الأرض تُستغل، تُدمّر، وتُنهب، ما يجعلنا نواجه سؤالًا لاهوتيًا: ماذا نفعل بالأرض التي منحها لنا الله؟ هل نستخدمها في خدمة الإنسان، أم نستسلم للطمع والفساد؟
في بعض البلدان وزّعت الأراضي على الفلاحين الفقراء، لكن هذه الأراضي، بدلًا من أن تكون أداة للعدالة الاجتماعية وتحقيق الاكتفاء، بدأت في التدهور، وأصبحت الإنتاجات الزراعية لا تكفي احتياجاتنا. اليوم، الأرض التي كانت تُزرع القمح لتؤمن خبز الفقراء، تُباع ويُحوّل بعضها إلى مبانٍ فاخرة وقبيحة، في حين تجد الشعوب نفسها مضطرة لاستيراد الخبز من الخارج، ما يعني اعتمادها على قوى اقتصادية تفرض إرادتها عليها.
في هذا السياق، يظهر لنا الفقراء الذين أصبحوا بلا أرض. هؤلاء الذين يعانون من الفقر كما عانى المسيح من آلامه على الصليب. الفقراء لا يمتلكون الأرض التي تضمن لهم الاستقلال الاقتصادي. بل يعيشون في ظل نظام يواصل نهب أراضيهم، وتدمير البيئة التي كانت تؤمن لهم حياة كريمة. الكتاب المقدس يذكرنا بأن الأرض هي وديعة من الله، ونحن وكلاء عليها، وليس أسيادًا عليها. وعندما تُدمَّر الأراضي الزراعية، فإننا لا نضر فقط ببيئتنا، بل نغدر أيضًا بالأجيال القادمة التي ستجد نفسها في عالم ملوث بيئيًا، اقتصاديًا، وجائعًا بسبب سياسات الاستغلال.
وعندما نرفع أيدينا في الصلاة «أعطنا خبزنا كفاف يومنا»، يجب أن نتذكر أن الخبز ليس مجرد طعام. إنه تجسيد لاحتياج الإنسان الأساسي: الحاجة إلى الكرامة، إلى العدالة، إلى حق الأرض التي تحتضن الإنسان. كيف نطلب الخبز من الله بينما نهدم الأرض التي تمدنا به؟ نعيش في عالم تُحرم فيه شعوب من حقها في الأرض، وتُسلب منها فرص الحياة الكريمة التي تؤمنها الأرض.
وفي هذه اللحظة، يجب أن نتذكر أن المسيح نفسه رفض أن يكون مالكًا للأرض أو أن يستخدم سلطانه عليها (لوقا 4:5-8). هذه الكلمات يجب أن تذكّرنا باستمرار أننا لسنا أسيادًا على الأرض، بل نحن وكلاء عليها. رغم أن المسيح كان بإمكانه أن يمتلك الأرض كلها، إلا أنه لم يفعل، بل كرس حياته من أجل العدالة ورفع المعاناة عن المظلومين.
إن ما يحدث اليوم من تدمير للأراضي الزراعية وبيعها بأسعار مرتفعة لتحويلها إلى مشاريع عقارية هو جزء من مسلسل أكبر من الظلم الاجتماعي والاقتصادي الذي يتعرض له الفقراء. وفي حين أن هذا التدمير قد يمر مرور الكرام بالنسبة للبعض، إلا أنه يؤسس لدمار الأمل في نفوس الفقراء. علينا أن نتذكر أننا في محاكمة أمام الله: ماذا فعلنا بالأرض التي منحها لنا؟ وماذا فعلنا بالفقراء الذين بلا أرض؟
دعوة للتأمل:
قبل أن نطلب من الله أن يعطينا خبزنا، دعونا نتذكر أن الأرض ليست ملكنا، بل هي هبة من الله. نحن مدعوون لرعاية هذه الوديعة، وللتضامن مع الذين فقدوا حقهم في الأرض والعيش الكريم. إن التوبة الحقيقية في هذا السياق هي أن نعترف بتدميرنا للأرض من أجل مصالحنا الفردية والجماعية، وأن نعيد توجيه الأرض إلى مسار العدالة، حيث تصبح الأرض للأجيال القادمة. المسيح الذي حمل صليبه من أجلنا، يدعونا أن نكون جزءًا من هذه المسؤولية: حمل صليب الأرض، وحمل صليب العدالة الاجتماعية، وحمل صليب الفقراء الذين بلا أرض. وعندما نتحد مع المسيح في هذا الصليب، نؤمن أن القيامة ستأتي، وأن الأرض التي دُمرت اليوم ستجد حياة جديدة، كما أن الفقراء الذين يعانون الآن سيجدون الخلاص والعدالة.
الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
الرسومات للفنان الأرجنتينيّ: آدولفو إسكويبيل Adolfo Pérez Esquivel