عادل نعمان
.. وحكايات السلف تستحق المعاودة والمراجعة، فربما تقطع قول كل الخطباء، أو تعيد تقييم المواقف والخلافات أو تزيل الخصومات والمنازعات، وما اختلف المسلمون حول شخصية تاريخية كما اختلفوا حول «معاوية بن أبى سفيان» إلى درجة أن الخلاف ظهر جليا فى الحلقة الأولى من مسلسل «معاوية» دون تريث أو روية، وكأن كل فريق من المؤيدين والمعارضين قد رفع الحقيقة على أسنة الرماح، وهو مسلسل رقيق رقة لم نعهدها فى هذه البيئة الجافة، فخيم وثرى إلى حد ما كان لهم حاجة لهذه الغزوات، وقد كانوا يشكون شظف العيش حتى انهم كانوا يشدون على بطونهم من شدة الجوع، ولماذا معاوية بالذات؟ لأن الخلاف الشيعى السنى طفح فى عهده، وكانت بداية ظهور الفرق الإسلامية تحت سمائه، واستعاد المسلمون حروب الجاهلية بين أولاد العمومة «بنو هاشم وبنو أمية» فى حرمه ومحيطه، حتى بدت الأحداث وكأنها تسير وفق مخطط لعودة الريادة المسلوبة من بنى هاشم إلى بنى أمية، وهذه الحكايات عن «معاوية» ربما تراها لضرورة سياسية لإقامة إمبراطورية عربية ممتدة من الشرق إلى الغرب فنحمد ما صنعه لهم، وربما أراها مخالفة لما هو معلوم من الدين لإقامة دولة دينية فلن أغفر له صنيعته
الحكاية الأولى: «لا نبايع من يأوى قتلة عثمان» أصر معاوية على عدم بيعة على بن أبى طالب خليفة للمسلمين بعد مقتل عثمان بن عفان «ابن عمه» ومبايعة أهل المدينة عليا خليفة للضرورة «البعض يقرر أن أحدا من صحابته كطلحة والزبير ومعاوية وولاة الأمصار لم يبايعوه» وخرج معاوية على هذه البيعة كما خرج عليها طلحة والزبير والسيدة عائشة، وكانت حجة معاوية أن عليا لم يقتص من قتلة عثمان، وحقيقة الأمر أن معاوية قد خذل عثمان صاحب الفضل على بنى أمية قاطبة،
وكان الخروج عليه من ثوار مصر والبصرة والكوفة بسبب فساد بنى أمية انفسهم، وقد استجار عثمان واستصرخ كل ولاته، يقول الشهرستانى: «بأن جميع عمال عثمان وأمراؤه قد خذلوه ورفضوه حتى أتى قدره عليه، وهم معاوية، وسعد بن أبى وقاص، والوليد بن عقبة وعبد الله بن عامر وعبد الله بن أبى السرح» ويقول الإمام الحسن بن على لمعاوية فى مناظرة «ثم ولاك عثمان فتربصت عليه» ومعنى تربصت عليه «انتظرت شرا يحل به» واسمع ما قاله عمرو بن العاص لمعاوية: «واسوأتاه إن أحق الناس ألا يذكر عثمان لا أنا ولا أنت، أما أنت فخذلته ومعك أهل الشام، وأما أنا فتركته عيانا». يرفع معاوية «قميص عثمان» مطالبا بالقصاص، وأصر «لا بيعة دون قصاص» وكان على يرى تأجيل القصاص إلى أن تستتب له الأمور وقد كانت المدينة «تفور وتغلى» فى هذا الوقت بعد مقتل الخليفة، ولما آلت الخلافة لمعاوية لم يقتص منهم بحجة انه ليس ولى الدم عن أولاد عثمان هم «عمرو، أبان، سعيد، الوليد»، وما رآه معاوية نفسه حين تولى الخلافة بتعقيداتها وأولوياتها وحال دون القصاص هو ما رآه على ولامه عليه، والمعروف تاريخيا أن عثمان لم يقتص من عبيد الله ابن عمر بن الخطاب حين قتل دون حق «الهرمزان» وابنة «أبو لؤلؤة المجوسى» انتقاما لقتل أبيه، وقال عثمان «أيقتل أباه بالأمس ونقتله اليوم»..قميص عثمان أصبح حكاية على لسان كل من يسعى لتحقيق الباطل على حساب الحق، وكذلك يفعلون.
الحكاية الثانية: «أخى خير لى فى دينى ومعاوية خير لى فى دنياى» عن عقيل بن أبى طالب، وعقيل هو اخو على بن أبى طالب، ترك أخاه فى موقعة صفين وانضم لجيش معاوية بعد أن طالبه بسداد ديونه ورفض أخوه على إلا أن يعطيه عطاياه فقط، فهو كخليفة لا سلطان له على بيت مال المسلمين (والبعض رآه قد انضم لجيش معاوية بعد مقتل على وليس قبله، كغيره إبقاء على حياتهم، وطلبا للرزق، ومنهم من رأى انه انضم إلى معاوية ولم يحارب معه ضد على فى موقعة صفين) وإن كانت الروايات قد تضاربت حول كيفية الانضمام إلى معاوية، واتفقت على انه التحق وانضم إلى صفوفه أخيرا» والروايات اختلفت أيضا حول المناسبة التى قال قولته هذه لمعاوية، واتفقوا على انه قالها كما هى، والأقرب من الروايات: فقد أشار معاوية لعقيل وعلى رؤوس الأشهاد بعد أن أعطاه مائة ألف درهم من بيت مال المسلمين «لم تكن فى وسع على أخيه أن يدفعها له ليبقيه فى صفوفه ضد معاوية» وقال معاوية لعقيل على رؤوس الأشهاد:«هذا أبو يزيد» عقيل «لولا علمه بأنى خير له من أخيه ما أقام عندنا وتركه !! فقال عقيل: «أخى خير لى فى دينى ومعاوية خير لى فى دنياى»
ولحكايات معاوية بقية الاسبوع القادم «الفئة الباغية.. ومعاوية».
«الدولة المدنية هى الحل».
نقلا عن المصرى اليوم