«وتبعه أيضًا كثير من النساء اللواتي كنّ يلطمن وينحن عليه»
(إنجيل لوقا 23:27)
موضوع التأمّل: تمكين المرأة


الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
في مشهد آلام المسيح، نرى النساء يقفن بثبات أمام المأساة الكبرى، يصارعن الصمت والخوف، ويظهرن في مشهد يتحدى القوة الباطشة، ويتناغم مع رسالة الإنجيل العميقة حول العدالة والمساواة. بينما هرب الرجال، بما فيهم الحواريون، وجدنا النساء يتبعن المسيح، ليس فقط جسديًا، بل أيضًا روحيًا، في حالة من التضامن والشجاعة غير المسبوقة. هنّ اللواتي وقفن ضد ضعف الرجال، وصارخن في وجه الظلم دون خوف.

وعندما قالت النساء «التي يلطمن وينحن»، كان صراخهن ليس مجرد تعبير عن الحزن، بل كان صرخة احتجاج ضد واقع مرير، وحالة انكسار أمام الظلم. وكان المسيح، في هذا السياق، يدعوهن إلى التفكر في مستقبلهن البشري، قائلاً «لا تبكين عليَّ، بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن» (لوقا 23:28). لم تكن دعوته مجرد إراحة لهن من الحزن، بل كانت دعوة للنظر إلى الصراع الأعمق الذي يعانيه الجميع، بما في ذلك النساء والفقراء والمستضعفين في المجتمع.

لقد كانت النساء اللاتي تبعن يسوع في طريق الآلام أكثر من مجرد شهود على المعاناة، هنّ رمز للثبات والتحدي في وجه الظلم والاضطهاد. في ثقافة كانت تهمّش النساء وتضعهن في مواضع أقل شأنًا، كان موقفهن في لحظة الحزن الكبرى يمثل تمكينًا روحيًا لا يُقاس، يثبت أن المرأة في الكتاب المقدس ليست مجرد متلقية للآلام، بل هي جزء من حركة التحرير الروحي والإنساني.

في مصر، كما في مناطق أخرى في العالم، لا تزال النساء يعانين من التهميش الاجتماعي والاقتصادي. في سنوات الحروب والصراعات، كان الرجال يذهبون للموت على جبهات القتال، ويتركون وراءهم النساء ليكملن مسيرة الحياة في مواجهة شاقة. في هذا السياق، نشهد تكرارًا للتجربة التي عاشتها النساء مع المسيح. فكما وقفن أمام ظلم رومان ذلك الزمان، نقف نحن اليوم أمام ظلم اجتماعي واقتصادي يعصف بحياة النساء ويقيد إمكانياتهن.

لكن في تلك اللحظة المظلمة، كان صراخ النساء في وجه الجنود رمزًا للتحرر، وهو الصوت الذي يبكّت صمت الرجال ويجعل الظلم يترنح. بينما كان الجنود يسحبون المسيح نحو مصيره المؤلم، كانت نساء يرددن صرخات النضال، لتصم الآذان وتدوي في أرجاء التاريخ. وهكذا، فإن صراخهن لا يزال يُسمع عبر العصور كصوت متمرد يعارض القهر ويدعو للعدالة.

صوت النساء، في كل عصر، هو ذلك الصوت الذي يعكس البعد اللاهوتي العميق للكرامة الإنسانية. وصرخة المرأة في وجه الجلادين والظلم هي استجابة لنداء المسيح، الذي دعا الجميع للتمسك بحقوقهم ومساندة المظلومين. يمكننا أن نرى في هذا الصراع بين النساء والظلم دعوة للمجتمع المسيحي كي يلتفت إلى واقع النساء، ويدافع عن حقوقهن في الحرية والعدالة. ليس فقط من خلال الكلمات، بل من خلال العمل الجاد لتغيير الهياكل الاجتماعية التي تقمع النساء.

كما كان المسيح في محاكمة آلامه يحمل صليبه، كذلك كانت النساء يحملن صليب حياتهن اليومية. فالنساء اللاتي يعشن في مجتمعات مظلومة، منهن من يواجهن العنف الأسري، الفقر، التهميش، والظروف القاسية، يحملن صليبًا من نوع خاص، صليبًا يتطلب القوة والصبر، مثلما تحمّل المسيح آلامه.

وبينما نحن نصلي مع المسيح «لا تبكين عليَّ»، نُدعى إلى أن نتفكر في معنى الكلمات، وأن ننظر إلى معاناة النساء اليوم كجزء من صلب المسيح الذي جلب الخلاص للبشرية جمعاء. الصراخ الذي بدأ مع النساء اللواتي تبعن المسيح هو الآن صرخة تتناثر في كل مكان، تُحركنا نحو التضامن، نحو تصحيح الظلم، وحماية النساء من أي شكل من أشكال الاستغلال.

الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ

الرسومات للفنان الأرجنتينيّ: آدولفو إسكويبيل Adolfo Pérez Esquivel