الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ

«من قَبِل أحد هؤلاء الأظفال باسمي فأيّاي يقبل» (إنجيل مرقس 9:37)
موضوع التأمّل: الأطفال المحتاجون


يسقط المسيح للمرة الثالثة، فتلتقي عيناه تحت الصليب بوجوه شباب بلا عمل، وشباب شاركوا في ثورات الربيع العربي لتحقيق أحلام الحرية والمساواة والإخاء، فلم يجنوا منها سوى الإرهاب والحروب الأهلية وديكتاتوريين يلقون بهم في غياهب السجون بلا محاكمة. كما التقى أطفال الشوارع، والأطفال العمال، حيث ارتسم عليهم شقاء يغتال طفولتهم. رأى أيضًا أطفالًا منهم يصارعون الموت بعد أن أخذ أحد التجار منهم أعضائهم بثمن بخس. ورأى مدمني المخدرات الذين لجأوا إليها هروبًا من مجتمع لم يجدوا فيه لا احترامًا ولا حبًا. مد يديه واحتضنهم، فقد كان هو نفسه طفلاً هاربًا من ديكتاتور يريد قتله، فحمتْه مصر. أتُراها تستطيع اليوم فتح ذراعيها لحمايته؟

المرحلة التاسعة من مسار آلام المسيح تحمل معاناة أعمق وأشمل من مجرد الأوجاع الجسدية التي يعاني منها المسيح، فهي تفتح لنا المجال للتأمل في الارتباط بين معاناته ومعاناة البشر في مختلف أشكال الاضطهاد والاستغلال. عندما يسقط المسيح للمرة الثالثة، يتلاقى جسده المتعب مع أجساد المستضعفين في كل مكان، خاصة هؤلاء الأطفال والمراهقين الذين يعانون من قسوة الحياة.

لاهوتيًا، تمثل هذه المرحلة تجسيدًا للفكر المسيحي حول "الضعف" و"المعاناة"، حيث نجد المسيح الذي حمل صليبه على كتفيه يلتقي بكل الفقراء والمستضعفين الذين وقعوا ضحايا في عالمنا المعاصر، من الأطفال العاملين والمشردين إلى الشباب الضائع الذي حمل آمالًا كبيرة في ثورات لم تثمر. في هذا اللقاء، يمكننا أن نرى في المسيح نموذجًا للإله الذي لا يهرب من معاناة البشر، بل يلتقي بهم في أقسى لحظات حياتهم. كان المسيح نفسه طفلًا هاربًا من العنف والتهديد، وهو الذي عاش الهروب من البطش والظلم، ففتح بذلك مساحة للأمل، لا سيما للأطفال الذين يعيشون اليوم في ظل ظروف قاسية.

في هذا السياق، نجد أن لاهوت المسيح لا ينفصل عن الواقع الاجتماعي الذي نعيشه، بل إنه يتغلغل في كل مظاهر الاستغلال والظلم الذي يتعرض له الفقراء والمستضعفون. المسيح، الذي احتضن الأطفال وباركهم في حياته، يقف اليوم في صف كل طفل مظلوم في عالمنا، فيتحد معه في آلامه ويعكس بذلك لاهوتًا يتحقق من خلال محبة الله ورعايته لهؤلاء المستضعفين.

لذلك، إن التمكين الذي يدعو إليه المسيح في هذا النص لا يقتصر على الاهتمام الروحي فقط، بل يمتد إلى المعركة ضد الظلم الاجتماعي والسياسي. كما أن هذه المرحلة تحمل دعوة للأجيال القادمة أن يقفوا مع المظلومين، أن يتخذوا موقفًا في وجه الأنظمة التي تهدد حياة البشر، لا سيما الأطفال، الذين يحتاجون إلى حماية ورعاية في مواجهة الاضطهادات والمشاكل الاقتصادية.

في الختام، لا ينبغي أن نغفل عن حقيقة أن المسيح الذي حمل صليبه لأجل خلاصنا، هو أيضًا من يحمل معاناتنا في كل زمان ومكان. لقد كان طفلًا هاربًا، والآن يدعونا أن نكون جميعًا جزءًا من محاربة الظلم والتصدي للمعاناة، وخصوصًا مع الأطفال الذين هم في أمس الحاجة لرعايتنا وحمايتنا.

الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ

الرسومات للفنان الأرجنتينيّ: آدولفو إسكويبيل Adolfo Pérez Esquivel