حمدي رزق
تَغَيَّرَ: (فعل)، تغيَّرَ، يتغيَّر، فهو مُتغيِّر، أصبح على غير ما كان عليه، هكذا ينسحب الفعل (تَغَيَّرَ) على موقف الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»، تغير موقفه (إذ فجأة) من تهجير سكان قطاع غزة قَسْرًا، إلى «لن يطرد أحدٌ أحدًا من غزة». ترامب يقطع قول كل خطيب إسرائيلى ينادى بخطة التهجير، «لا أحد يجبر سكان غزة على المغادرة!».
موقف ترامب تَغَيَّرَ ١٨٠ درجة، وهذا من حسن تصريف الأمور السياسية (أمريكيًا) فى الشرق الأوسط، لكن مستوجب الحذر؛ ترامب (مُتغيِّر) كشهر أمشير «أبو الزعابيب»، ترامب معروف بتقلباته السياسية الشديدة، أيامًا من الصراخ على التهجير، ثم يتحول عاطفيًا عطوفًا على الفلسطينيين. ترامب تبدَّل، تحوَّل، بات واقعِيًا (تفهّم الواقع)؛ والعبارة تلخِّص المعنى الوارد فى بيان ترحيب الخارجية المصرية بموقف ترامب الجديد، ما يمكن البناء عليه تاليًا لحل القضية الفلسطينية بالكلية مع قوة دفع ترامبية هائلة؛ ترامب إذا عزم على حل الدولتين سيكون حقق إنجازًا تاريخيًا يستحق عليه سطرًا فى كتاب التاريخ.. وحائزة نوبل فوق البيعة.
أمانى عذاب، لن نحلق فى الهواء؛ بعض الواقعية فى التعاطى مع التغيير الحادث، سر التغيير.
البديل المصرى الناضج المدروس الذى وفر معطيات واقعية، والإدارة الأمريكية كانت فى حاجة ماسة إلى بديل عربى، تصوغه مصر، باعتبار الإدارة المصرية أدرى بشعاب غزة. القاهرة كسبت رهانًا سياسيًا كاد يتصف بالمستحيل؛ لا أحد امتلك شجاعة الوقوف فى وجه الإعصار الترامبى الكاسح، حال توفر البديل المصرى، تغير موقف الرئيس ترامب بالكلية؛ مثل الرئيس ترامب، كإعصار مستوجب التوقّى من ثورته أولًا حتى يهدأ، ونفكر سويًا، بهدوء وروية وواقعية؛ ترامب صار واقعِيًا، والتهجير يفاقم الكارثة، ولا يوفر حلولًا.
القضايا المزمنة مثل الأمراض المزمنة تحتاج نَطَاسِيًّا، طبيبًا حاذقًا؛ لافت ترحيب حركة المقاومة «حماس» بموقف الرئيس ترامب، والأجواء الدولية مواتية لتجليس البديل المصرى على أرض غزة بواقعية فلسطينية دون مزايدات سياسية، وببراجماتية عربية وجهد دبلوماسى إضافى من مجموعة العمل العربية. التغيّر فى موقف ترامب يحتاج (ترجمة عربية) عاقلة فى مواجهة (ترجمة عبرية) صاخبة؛ سيعمد نتنياهو وعصبته اليمينية المتطرفة إلى إجهاض التغيير الحادث فى توجّه الإدارة الأمريكية، ولو باستنفار قوى من «اللوبى اليهودى» فى وجه ترامب. أخشى التغيّر فى موقف ترامب أن يُترجم إسرائيليًا إلى الهجرة الطوعية، (البديل الإسرائيلى) فى مواجهة (البديل المصرى)، بإغراء سكان القطاع ودفعهم للهجرة.
وزير المالية الإسرائيلى اليمينى المتطرف، «بتسلئيل سموتريتش» أمام الكنيست، أفصح عن تشكيل مجموعات ضغط فى كل من إسرائيل والولايات المتحدة، للعمل على تنفيذ خطة ترامب، للاستيلاء على غزة وترحيل أهلها، مع إجراء عملية توسيع ضخمة للاستيطان فى الضفة الغربية.
بحسب سموتريتش، «ترحيل ٥٠٠٠ شخص يوميًا، بمعدل ٧ أيام فى الأسبوع، لمدة عام كامل، أو ١٠٠٠٠ شخص يوميًا لمدة ٦ أشهر». وفى حسبة سريعة إذا ما ضربنا ٥٠٠٠ بـ٣٦٠ يومًا، فستكون الحصيلة مليونًا و٨٠٠ ألف فلسطينى، أى ما يقرب من ثلثى سكان القطاع.
تبقّت دعوات القيادة المصرية لسكان القطاع بالثبات كأشجار الزيتون فى أرض الأجداد، والرياح الأمريكية فى شراعهم؛ فحسب الواقعية فى التعاطى مع البديل المصرى المدعوم عربيًا ودوليًا، وكما يغنى المطرب الشعبى «حسن البرنس»: «أخذ الحق صنعة»، أخذ الحق حرفة. والدبلوماسية المصرية أثبتت احترافية انتزعت من ترامب حقًا فلسطينِيًا مستحقًا.
نقلا عن المصري اليوم