نيفين سوريال
الصدمة:
لم يكن في حسبانها أن الحياة التي حلمت بها ستتحول إلى كابوس لا ينتهي لم تتخيل أن الشريك الذي عاهدها على الحب والاحتواء سيصبح شخصًا آخر غريبًا عنها وعن نفسه لم تتوقع أن الإدمان سيتسلل إلى بيتها كضيف ثقيل ثم يستقر كمحتل يفرض قوانينه القاسية عليها وعلى أبنائها لم تكن مهيأة لهذا الألم لهذه الصدمة التي سلبت منها الأمان وجعلتها تعيش في دوامة من الاحراج والرعب وعدم الاطمئنان والخوف والخذلان والدموع، فعندما يتورط الزوج في الإدمان، لا يكون هو الضحية الوحيدة، بل تتحول زوجته إلى أسيرة ألم لا ينتهي.
الإدمان ليس مجرد عادة سيئة بل وحش يفترس العلاقة الزوجية، يلتهم الحب والاحترام، ويترك خلفه شتاتًا من الخيبات والمرارة. الزوج المدمن لا يعود نفس الشخص الذي أحبته زوجته يومًا، بل يصبح غريبًا عنها، رجلًا تتعامل معه بحذر، وتخشى انفجاراته المفاجئة، وتتساءل كل ليلة هل سيعود إلى المنزل في أمان أم ستتلقى صدمة جديدة؟
المر الذي تتجرعه الزوجة:
الزوجة التي تعيش مع مدمن تتجرع كل يوم كأسًا من المرارة، حيث يتحول المنزل من مكان للراحة إلى ساحة معركة ضد الإدمان وآثاره. تجد نفسها وحيدة في مواجهة إهماله العاطفي والمادي، تحاول أن تحافظ على بيتها وأطفالها بينما هو غارق في عالمه المدمر. تتحمل التقلبات المزاجية، الأكاذيب المتكررة، الوعود التي لا تتحقق، والخوف المستمر من العنف أو الإساءة. فتعاني من الإحباط وهي ترى زوجها يغرق أكثر فأكثر، تحاول مساعدته لكنه يرفض، تمنحه الحب لكنه يقابل ذلك بالجفاء، تسهر منتظرة عودته لكنه لا يأتي أو يعود محطمًا. تشعر وكأنها تحارب وحيدة في معركة لا نهاية لها، بلا سند ولا أمل واضح في النجاة.
المعاناة الصامتة: عندما تصبح الزوجة ضحية لإدمان الزوج
تعيش الزوجة التي يرتبط مصيرها بمدمن حياة مليئة بالألم النفسي والتحديات اليومية حيث يصبح الإدمان كابوسًا يخيم على منزلها يسلبه الاستقرار والطمأنينة تتحول الأيام إلى صراع مستمر بين الحب والألم بين الأمل واليأس وبين التمسك بالعلاقة والخوف من الاستمرار فيها
القلق الذي لا يهدأ:
تبدأ معاناة الزوجة بالقلق المستمر ذلك الشعور الذي يلازمها ليلًا ونهارًا وهي تنتظر عودة الزوج إلى المنزل لا تعرف بأي حال سيعود هل سيكون واعيًا غاضبًا مستعدًا للشجار أم غارقًا في عالمه المدمن يصبح كل يوم اختبارًا جديدًا لقوتها وتحملها
الإهمال العاطفي والمادي:
يتلاشى دور الزوج كشريك حياة ويصبح شخصًا غائبًا حتى وهو حاضر لا يهتم بمشاعر زوجته أو احتياجاتها تتحمل الزوجة وحدها مسؤوليات المنزل وتربية الأطفال وتشعر وكأنها عالقة في دوامة من الإهمال والوحدة أما الجانب المادي فقد يكون الإدمان سببًا في استنزاف الأموال مما يجعلها تعيش في قلق دائم بشأن دفع الفواتير وتوفير احتياجات الأسرة
العنف والخوف المستمر:
في بعض الحالات يتحول الإدمان إلى وحش يفترس العلاقة الزوجية إذ يصبح الزوج عدوانيًا أو عنيفًا سواء جسديًا أو نفسيًا قد تجد الزوجة نفسها مضطرة لتحمل الإهانات وربما الضرب في محاولة يائسة للحفاظ على بيتها وعائلتها لكنها تعيش في خوف دائم غير قادرة على التنبؤ بتصرفات زوجها أو العواقب التي قد تواجهها
الأمل الممزوج بالخذلان:
تحاول الزوجة أن تتمسك بالأمل أن تساعد زوجها أن تجد طريقة لإنقاذه من هذا المستنقع لكن في كل مرة يعود فيها إلى الإدمان تشعر وكأنها تتلقى طعنة جديدة تعيش في دوامة من التردد هل تستمر في العلاقة على أمل أن يتحسن أم تتركه لحماية نفسها وأطفالها
نهاية مفتوحة:
في النهاية قد تتمكن بعض الزوجات من مساعدة أزواجهن على التعافي بينما تضطر أخريات إلى الانفصال لإنقاذ أنفسهن من الضياع لكن في كل الأحوال تظل هذه التجربة جرحًا غائرًا في النفس ودرسًا قاسيًا عن الحب والتضحية وحدود الصبر
كيف يمكن للزوجة التعامل مع معاناتها؟
رغم الألم الذي تعيشه الزوجة مع زوج مدمن فإنها ليست بلا خيارات هناك طرق يمكن أن تساعدها على التعامل مع الوضع سواء لإنقاذ زوجها أو لحماية نفسها وأطفالها مثل:
التثقيف حول الإدمان:
من أهم الخطوات التي يجب أن تبدأ بها الزوجة هي فهم طبيعة الإدمان فهو ليس مجرد عادة سيئة بل مرض يحتاج إلى علاج كلما عرفت أكثر عن تأثير الإدمان على العقل والسلوك كلما تمكنت من التعامل معه بشكل أفضل دون لوم النفس أو الشعور بالذنب
تقديم الدعم ولكن دون تمكين الإدمان:
الحب لا يعني أن تسمح الزوجة لزوجها بالاستمرار في الإدمان يجب عليها أن تضع حدودًا واضحة مثل
•توعيته زوجها بالمحبه والحنان ثم اتخاذ قرار بانه لابد وان يغير من نفسه سريعاً
•عدم التستر عليه عندما يؤذي نفسه أو الآخرين
•تشجيعه على العلاج والبحث عن حلول حقيقية
طلب المساعدة من المختصين:
لا يمكن التعامل مع الإدمان وحدها بل تحتاج إلى دعم من متخصصين في العلاج النفسي والإدمان وان امكن الروحي يمكنها التواصل مع مستشارين أو مراكز علاج الإدمان أو الانضمام إلى مجموعات دعم للزوجات اللاتي يمررن بنفس الظروف حيث تجد التعاطف والإرشاد
وضع حدود واضحة لحماية النفس والأطفال
إذا كان الإدمان يؤدي إلى العنف أو الإهمال الشديد فمن الضروري أن تحمي الزوجة نفسها وأطفالها قد تحتاج إلى الابتعاد لفترة أو حتى اللجوء إلى جهات قانونية إذا لزم الأمر وكان خطراً للحفاظ على النفس والأبناء يأتي قبل أي التزام آخر.
النظر في الخيارات المتاحة للمستقبل:
إذا كان الإدمان يشكل خطرًا نفسيًا أو جسديًا على الزوجة والأبناء، فلا بد من الابتعاد قليلاً لحماية النفس والأطفال. هذه ليست هروبًا، بل خطوة ضرورية لبدء العلاج النفسي والجسدي والروحي، لأن الإدمان لا يدمر فقط الجسد، بل يترك جروحًا عميقة في النفس والروح. يجب أن تبدأ الزوجة رحلة التعافي، سواء لنفسها أو لعائلتها، حتى يعود السلام والهدوء إلى البيت. وعندما يشفى الجميع من آثار هذه المعاناة، يمكن إعادة بناء البيت من جديد، واستعادة ما هدمه إبليس من استعباد ودمار، ليكون منزلًا عامرًا بالمحبة والسكينة من جديد.
الجميع من حولها يجب أن يكونوا سندًا لها:
الزوجة التي تعاني من هذه المحنة لا يجب أن تكون وحدها. الذين لم يختبروا معاناتها قد لا يفهمون تمامًا الألم الذي تمر به، لكن هذا لا يعني أنهم لا يستطيعون أن يكونوا داعمين لها. يجب على الأهل والأصدقاء والمجتمع أن يحيطوا بها بالدعم النفسي والمادي والمعنوي، أن يشعروا بألمها، أن يساعدوها في إيجاد الحلول، وألا يتركوها تغرق في بحر الوحدة والخذلان. فالشفاء ليس مجرد قرار فردي، بل هو رحلة تحتاج إلى محبة ومساندة.
التغيير للأفضل والمغفرة تجلب الحماية السماوية:
رغم الألم، يجب على الزوجة ألا تغرق في الكراهية أو الاستياء. بل عليها أن تسعى دائمًا لتغيير نفسها للأفضل، لتقوية نفسها روحياً ونفسياً، لأن هذا هو الطريق نحو التعافي الحقيقي. المغفرة ليست ضعفًا، بل قوة، وهي المفتاح لجذب النعمة الإلهية إلى حياتها. عندما تغفر من قلبها، فإنها تفتح الطريق أمام الملائكة لتحيط بها وتحميها وتحفظ أبناءها. الله يرى كل دمعة تسقط، وهو قادر أن يبدل الألم بفرح، والدمار ببناء جديد، طالما أن القلب مستعد لأن يسامح ويبدأ من جديد.
الصلاة والتمسك بالإيمان:
يمكن أن يكون الإيمان مصدر قوة كبيرة للزوجة في هذه المحنة الصلاة من أجل القوة والحكمة تساعدها على اتخاذ القرارات الصحيحة والاعتماد على الله في أوقات الضعف الكتاب المقدس يقدم العديد من الآيات التي تمنح الرجاء والصبر في مواجهة الأزمات مثل • “تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم” (متى 11:28)
•“الرَّبُّ قَرِيبٌ مِنَ المُنْكَسِرِي القُلُوبِ وَيُخَلِّصُ المُنْسَحِقِي الرُّوحِ” (مزمور 34:18)
•“أَلْقِ عَلَى الرَّبِّ هَمَّكَ فَهُوَ يَعُولُكَ، لَا يَدَعُ الصِّدِّيقَ يَتَزَعْزَعُ إِلَى الأَبَدِ” (مزمور 55:22)
•“حَمِّلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ، وَهَكَذَا تَمِّمُوا نَامُوسَ الْمَسِيحِ” (غلاطية 6:2)
وهذا يوضح أنه لا ينبغي أن تترك هذه الزوجة وحدها في معاناتها بل يجب على الجميع أن يكونوا في عونها فالذي لم يذق ألمها لا يستطيع أن يدرك حجم معاناتها ينبغي على الأهل والأصدقاء والكنيسة والمجتمع أن يمدوا لها يد العون ودعمها نفسياً ومادياً ومعنوياً
ختامًا
الحياة مع شخص مدمن ليست سهلة لكنها لا تعني النهاية بالصبر والحكمة تستطيع الزوجة أن تجد طريقها للخروج من الألم سواء كان ذلك بمساعدة زوجها على التعافي أو ببناء حياة جديدة أكثر أمانًا وسلامًا الأهم هو ألا تفقد الأمل وأن تتذكر دائمًا أن الله يمنح القوة لكل من يطلبها بإيمان