الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
«لا يستطيع أحد أن يخدم سيّدين، إمّا الله أو المال»
(إنجيل متّى 6: 24)
موضوع التأمّل: أزمة الديون
يُسمّر جنود الرومان المسيح على الصليب تمامًا كما تسمّره الدول الغنيّة وصندوق النقد الدوليّ الدول الفقيرة بالديون. ما يسمّرهم على صليب الفقر بالأكثر هو تراكم فوائد هذه الديون المتزايدة، إنّه الربا الذي حرّمته الأديان التوحيديّة (تثنية 16: 19؛ مز 15).
تؤثّر هذه الديون على السيادة الوطنيّة للدول الفقيرة، كما أنّها تفرض تقليل الدعم عن السلع المهمّة لحياة الفقراء، وينخفض مستوى الدخل القوميّ فقلّ نفقات الدولة على الصحة والتعليم والبحث العلمي، فيزيد تسمير شعوب العالم الثالث على صليب الفقر والمرض والجهل والتخلّف.
في الصورة المصاحبة للمرحلة يقسّم الفنان العالم إلى شمال وجنوب، يحتوي الجنوب الفقير الخيرات الطبيعيّة ويمنحها للشمال الغنيّ الذي يشتريها بثمن بخس فيزداد ثراءً، وتزداد دول الجنوب فقرًا.
إن أزمة الديون التي ترتبط بشدة بالصلب الذي تعرض له المسيح تعدّ تجسيدًا رمزيًا للظلم الاقتصادي والاجتماعي الذي تتعرض له العديد من الدول الفقيرة في عالمنا المعاصر. إن تراكم الديون، فضلاً عن فوائده المتزايدة، يقيّد هذه الدول ويجعلها تدور في حلقة مفرغة من الفقر، حيث تصبح غير قادرة على تأمين حقوق مواطنيها الأساسية مثل التعليم والصحة، الأمر الذي يعمّق معاناتهم.
الربا، الذي يُحرّم في الأديان السماوية، يصبح في هذا السياق بمثابة أداة لاستمرار الاستغلال، حيث يُجبر الفقراء على تحمل عبء الديون الفاحشة، وهي تشبه إلى حد بعيد الصلب الذي تحمّله المسيح من أجل خلاص البشرية. هكذا، فإن الديون ليست مجرد تراكم مالي، بل هي صليب حقيقي يَسمّر الشعوب الفقيرة ويُكبلها في قيود الاستغلال، مما يعوق قدرتها على التحرر والتنمية.
في المقابل، المسيح الذي رفض السعي وراء المال أو السلطة على الأرض كان يدعو إلى خدمة الله فقط. بهذا، يقدم لاهوتيًا مثالًا للتعامل مع المال والموارد البشرية: لا ينبغي أن يكون المال أداة للهيمنة أو الاستغلال، بل يجب أن يُستخدم في خدمة الآخرين وتحقيق العدالة. إن خدمة المال بدلاً من الله تجعل الإنسان في حالة من العبودية الدائمة، مثلما هي حال الدول الفقيرة التي تقع ضحية للديون.
إن هذه الصور الرمزية تعكس أيضًا الظلم المستمر الذي تعيشه الدول النامية، التي لا تملك القدرة على فرض سيادتها الوطنية بسبب القيود الاقتصادية التي تفرضها الديون. فالصورة التي يظهر فيها الجنوب الفقير غارقًا في ثرواته الطبيعية، بينما يسرقها الشمال الغني ويزداد ثراءً، تشير بوضوح إلى أوجه الاستغلال التي تساهم في زيادة التفاوت بين البلدان.
الخلاص: الدعوة إلى العدالة
هذه المرحلة تُظهر لنا بوضوح أن الأزمات الاقتصادية التي يمر بها الفقراء ليست مجرد مشكلات مالية، بل هي جزء من معركة كبرى من أجل العدالة. المسيح، الذي تحمّل الألم من أجل تحرير البشرية، يدعونا للوقوف ضد أنظمة العبودية الاقتصادية والديون التي تُسمّر الشعوب على صلب الفقر. إن فهمنا العميق لهذا الرابط بين الصلب والديون يحثنا على مسؤولية أخلاقية تجاه إلغاء هذه الديون وخلق عالم أكثر عدلاً يضمن حقوق الفقراء والمستضعفين.
الرسومات للفنان الأرجنتينيّ: آدولفو إسكويبيل Adolfo Pérez Esquivel