الأب جون جبرائيل الدومنيكاني

المرحلة الثانية عشرة: الموت على الصليب 
 
«فصرخ يسوع بصوت عظيم وأسلم الروح »(إنجيل مرقس 15: 37)
 
موضوع التأمّل: عالم ممزّق
 
«معلّقٌ أنا على مشانقِ الصباح
 
 وجبهتي بالموتِ محنيّة،
 
 ذلكَ لأنّي لم أحنها حيّا»، 
 
هكذا عبّرَ الشاعر عمّا عاشه المسيح، الذي نُفّذ فيه حكم الإعدام خارج أسوار أورشليم، ليصبح عبرةً لمن يعتبر، ودرسًا للأجيال المقبلة في مرارة العنف. بعد أن مرّ المسيح عبر محاكماتٍ استثنائية، تجاوزت حدود العدالة والتفكير العقلاني، حيث تعرض لمحاكمة دينية تمثلت في 3 مراحل: 1. أمام حنّان، 2. أمام قيافا، 3. أمام مجلس السنهدرين. ثم تلتها محاكمات مدنيّة من نوع آخر: 1. أمام بيلاطس، 2. أمام هيرودس، 3. مرة ثانية أمام بيلاطس.
 
حكمت المحكمة الدينيّة بأنّه مجدّف، يدّعي أنّه ابن الله والمسيح المنتظر. أما المحاكمة المدنيّة، فقد اتهمته بتهم عجيبة تناقض تهمته الدينية، وهي تحريض الناس على الشغب، ومنع دفع الجزية، وادعاء المَلَكِيّة.
 
تمثّل هذه المحاكمات الظالمة حقيقة مرّة في تاريخ الإنسانية: فبين رجال الدين ورجال السياسة يتلاقى النفاق، وتتعانق المصالح الضيقة لتطويق الحقيقة التي لا يتحملها هذا العالم. المسيح، ذلك الإنسان البريء، يصبح ضحية حقد العالم على العدالة والحق. واليوم، هناك كثيرون ممن يُصلبون بأيدي من يرفعون رايات زائفة، مجردة من الرحمة، تحت ادعاءات التضحية ورفعة المصالح. نحن كمسيحيين، لا نزال نصلي ونسير على درب المسيح، حاملين اتهامات كاذبة ضد من حاولوا ومن مازالوا يحاولون تأسيس ملكوت الله على الأرض، ملكوتٍ يتسم بالعدالة والسلام.
 
لكن المسيح على الصليب يمثّل قمة فشل دعاة السلام والمحبة، ودعاة حقوق الإنسان الذين يسعون إلى عالم يبتعد عن الاستغلال والظلم. هل ستكون هذه نهايتهم؟ وهل سيكون لبيلاطس وجلّاديه الكلمة الأخيرة في تحديد مصير هؤلاء الذين نذروا حياتهم للسلام؟
 
ما نشهده اليوم في عالمنا من توترات وحروب وعنف يأتي نتيجة لفقدان الإنسان للسلام في داخله، الذي يبدأ من العلاقة الممزقة مع قريبه، وينتهي بفقدان السلام مع الله. إن هذا التمزق الذي يصيب النفس البشرية هو بداية سلسلة من الانقسامات التي تفكك روابط الإنسانية وتغرقنا في بحر من العنف واللامبالاة. وهكذا يبقى العالم في صراع دائم لأن الإنسان فقد القدرة على السلام مع ذاته، مع غيره، ومع الله.
 
الرسومات للفنان الأرجنتينيّ: آدولفو إسكويبيل Adolfo Pérez Esquivel