سامح فوزي
استأنفت إسرائيل عدوانها على غزة، مُعلنة بذلك إنهاء اتفاق الهدنة الذى دخل حيز التنفيذ فى 19 يناير الماضى، سبق ذلك إغلاق المعابر، ومنع دخول المساعدات لأهالى غزة. الهدف المُعلن هو تدمير حماس وتحرير الرهائن، وهو نفس الهدف الذى أعلن مع بدء العدوان فى أعقاب 7 أكتوبر 2023، واستمرت إسرائيل فى حربها على غزة التى دمرت فيها الخريطة العمرانية، والمنشآت، والمؤسسات والمنازل، وأوقعت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، ورغم ذلك لم تحقق الهدف الذى حاربت من أجله، فقد أضعفت حماس لكن لم تقضِ عليها، ولم تستطع تحرير الرهائن، واضطرت فى نهاية المطاف إلى الاتفاق مع حماس ذاتها، وتسلم الرهائن المحررين من عناصرها المسلحة.
يبدو أن غاية إسرائيل من عمليتها العسكرية هو تحويل تصور دونالد ترامب بترحيل أهالى غزة إلى مصر والأردن، مع التلميح إلى سوريا وأماكن أخرى، إلى أمر واقع، وهو ما رفضته الخطة المصرية، التى تبنتها القمة العربية، وأصرت على إعمار غزة دون تهجير أهلها.
جبهات مفتوحة اشتعلت فجأة، فى مواجهة الحوثيين فى اليمن، مع التهديد الصريح والمستبطن لإيران، وإعادة الحرب إلى غزة، واحتكاكات مسلحة على الحدود اللبنانية السورية، وهكذا، تعيش المنطقة أجواء الاشتعال متعدد الأبعاد.
حصيلة اليوم الأول من القصف الإسرائيلى، الذى طال تجمعات مدنية نحو 330 قتيلا، غالبيتهم من النساء والأطفال، وهم الذين شكلوا تقريبا ثلثى عدد القتلى من الحرب على غزة التى استمرت نحو 16 شهرا. اللافت أن إسرائيل أعادت حربها إلى غزة بعد ساعات من صدور تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» الذى ذكر أن مئات الآلاف من أطفال غزة يكافحون من أجل البقاء، ويفتقرون إلى المياه النظيفة، وخدمات الصرف الصحى، ناهينا عن التعليم والصحة. وتمثل أزمة أطفال غزة الوجه القبيح للعنف الذى يجتاح مناطق عديدة فى العالم، ويدفع الأطفال ثمنًا باهظًا له، رغم أن الأطفال لا يبدأون الحرب، ولا يشعلون فتيل القتال، لكنهم دائما غالبية الضحايا.
تشير الإحصاءات إلى أن طفلا بين ستة أطفال يعيش فى منطقة صراع حول العالم، ويواجه الأطفال انتهاكات لا توصف بدءا من القتل، والإصابة بإعاقات مختلفة، والحرمان من الرعاية الصحية والتعليم والغذاء الذى يبقيهم على قيد الحياة. مشاهد قاتمة من الكونغو الديمقراطية إلى هايتى والسودان، يتعرض الأطفال لانتهاكات بالغة، ولكن حال الأطفال فى غزة فاق كل أشكال الانتهاكات، نظرا لاتساع نطاق الاستهداف، واستمرار القتال لشهور متصلة، وتدمير البنية الأساسية، وقتل أسرهم مما يفقدهم الرعاية والحماية التى يجب أن يتمتعوا بها.
تشير الخبرة إلى أن الحروب لا تُنهى صراعات فى منطقة الشرق الأوسط، ولكن الحل السياسى هو الذى يأتى بنتائج. الدليل على ذلك اتفاقيتا السلام بين إسرائيل وكل من مصر والأردن، اللتان شكلتا دعائم الاستقرار فى المنطقة لعقود طويلة، ولن تُحل القضية الفلسطينية بالعمليات العسكرية التى تتسبب فى مزيد من القتل والدمار، ولكن من خلال الحلول الدبلوماسية، وهو ما يجب أن تفطن إليه الولايات المتحدة. ويذكر التاريخ أن فى المناسبات التى تحلت فيها واشنطن بقدر من الحيادية، وتدخلت فى مفاوضات السلام استطاعت أن تحقق نتائج إيجابية، بينما انحيازها المطلق لإسرائيل قلَّص كثيرًا من فرص السلام، وأشعل أجواء المنطقة بالحروب والنزاعات. ويبدو التناقض واضحًا فى إدارة ترامب، بين مساعيها لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية بالطرق الدبلوماسية، فى الوقت الذى تعطى غطاء لإسرائيل فى عدوانها المستمر على الشعب الفلسطينى، وسوريا، ولبنان.
المتوقع أنه بعد تفرغ إسرائيل من عدوانها على غزة، أيا كانت المدة التى سوف يستغرقها والخسائر التى يسببها، سوف يكون هناك حوار ومفاوضات لأن الحل سياسى وليس عسكريا.
نقلا عن الشروق