الأب جون جبرائيل

(قصّةٌ قصيرة) 
في إحدى الأمسيات الهادئة، جلس القائد العسكريّ الشهير في مكتبه يتأمّل خريطة العالم أمامه. كانت الطاولة مغطّاة بالتقارير الاستخباراتيّة والتحليلات الاستراتيجيّة عن توازن القوى شرقًا وغربًا. تنهد القائد وقال في نفسه:
"القوّة وحدها تضمن السلام! لو لم نكن مسلّحين تسليحًا رائعًا، لفتكَ بنا أعداؤنا!"
 
فجأةً، سمع صوتًا هادئًا خلفه:
 
"سلامٌ عليك."
التفت القائد ليجد رجلًا بسيطًا بملابس متواضعة، عيناه تلمعان بطمأنينةٍ غريبة وسلامٍ مستفِزّ. لم يكن بحاجة إلى أن يسأله من يكون؛ فهل يُخفى القمر؟
 
القائد: يا للمفارقة! يسوع المسيح نفسه يظهر أمامي بينما أفكّر في القوّة!
 
المسيح: وأنت، لماذا تؤمن بأنّ القوّة تصنع السلام؟
 
القائد: لأنّ العالم قاسٍ. انظر إلى التاريخ! الضعفاء دائمًا ضحايا، والقويّ وحده يفرض السلام.
 
المسيح: وهل كان صليبي سيفًا؟ هل انتصرتُ بالعنف؟
 
القائد: لكنّهم صلبوك! ولو كان لديك جيش، لما تجرّأوا على إيذائك.
 
المسيح: ولو كنتُ قد دافعتُ عن نفسي بالقوّة، هل كنتَ ستؤمن بي اليوم؟ هل كنتَ سترى فيّ نور الله؟
 
القائد (متردّدًا): ماذا؟ الله؟ أتظنّ أن هذا ما يعنيني؟! في عالمنا، لو لم نكن مسلّحين، لسُحقنا!
 
المسيح: أيُّهما أقوى؟ من يَسحق، أم من يرفض أن يَسحق؟ أيُّهما أشجع؟ من يخوض الحرب، أم من يكسر دائرة العنف؟
 
نهض القائد، لم يعرف كيف يجيب. كان يؤمن دومًا بأنّ السلاح يمنح الهيبة، لكنّ عيني المسيح أمامه حملتا قوّة من نوعٍ آخر، قوّة لا تحتاج إلى ترسانة عسكريّة.
 
المسيح: السلام لا يُفرَض بالقوّة، بل يُمنَح بالمحبّة. ليس سلامي مثل سلام العالم. سلامي لا يخشى العدوّ، ولا يحتاج إلى السلاح ليحميه، لأنّه يملك ما هو أقوى من السلاح!
 
القائد: لكن... كيف يمكن للسلام أن يصمد وسط عالمٍ مليء بالشرّ؟
 
المسيح: ربّما عندما يضع القويّ سيفه جانبًا، يبدأ العالم في التغيّر؟
 
اختفى المسيح، وبقي القائد وحده. نظر إلى الخريطة أمامه، ثمّ بهدوء، سحب ورقةً وكتب فيها جملةً واحدة:
 
"أتَكْمُن القوّة الحقيقيّة في عدم فرض السلام بالقوّة، بل في صنعه من دون خوف؟"