الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
انتصار الحياة  
«لماذا تبحثنَ عن الحيّ بين الأموات، إنّه ليس ههنا فقد قام»  
(إنجيل لوقا 24: 5)  


بموت المسيح انتهى كل شيء على سطح الظواهر؛ تفرّق تلاميذه وأتباعه، وبدأوا يمارسون حياتهم كما كانت مرحلة "ما قبل المسيح"، بل ربما صاروا أكثر تردّدًا وخوفًا مما كانوا عليه من قبل. ها إنّ الرجل الذي حلم بعالمٍ أفضل، والداعي الأكبر للسلام والمصالحة والعدالة والحريّة، قد أنهى أجله بطريقة هي الأعنف والأكثر خزيًا وعارًا في نظر الظالمين.  

كان فرح رؤساء الكهنة ورجال الدين والسياسة لا يُوصَف، فقد خمد صوت ذلك المارق المخرّب إلى الأبد، وتبددت جموع أتباعه بعد أن رأوا مصيره المحتوم. نعم، حينها انتصر العنف وتجلّى الشر، وأصبحت الكلمة الأخيرة بيد من يحملون المدفع والطائرة والدبّابة، في عالمٍ ضاق فيه أفق العدالة.  
ورأى المؤمنون المتديّنون أن المسيح ليس من الله، فترددت أصواتهم: «إن كنتَ ابن الله فخلّص نفسك وخلّصنا»، وكأنهم تجاهلوا أن خلاص الله لا يُكتَسَب بالقوة أو الانفعال، بل بالإيمان الراسخ والثقة في وعد القيامة.  

في ظلمة تلك الساعات في القبر، بانت كل تعاليمه، ومات معه من حلموا بعالم أفضل، بمملكة الله على الأرض، ومات أيضًا من حرّرهم الظلم عن نوبات الاضطهاد. لكن ذلك الموت لم يكن نهاية؛ ففي فجر الأحد، حين توجهت نسوة إلى القبر لتجد أن جسد المسيح قد اختفى، جاء الملاك سائلاً: «لماذا تبحصن عن الحيّ بين الأموات، إنَّه قام». كانت تلك الكلمة بمثابة شرارة فتحت أبواب الرجاء، إذ انتصر على الموت في عقر داره وقتله، وفرض قيامة الحق على ممالك العنف والظلم.  

قام المسيح ليُبيّن لمعتقلي كلمة الحق في سجونهم أن الكلمة الأخيرة ليست لأولئك الذين يقيدون الحرية، وأنها ليست لقضاة الظلم الذين يأمرون بإعدام الأبرياء، ولا للدبّابة، ولا لمجلس الحرب، ولا حتى للدول الثمانية الكبار. ففي قيامته، جمع بين يديه شهداء الكلمة وشهداء الحق، محرّرًا بقيامته كل من ارتدوا عن كلمة "لا" في وجه من قالوا "نعم". لأنّ الخانعين لا يرثون الأرض، بل يرثها الودعاء الذين يصرخون "لا" وهم يحملون سلاحهم في يدهم للدفاع عن الكرامة.  

هل نحن حقًّا قمنا معه؟ وطننا وفلسطين وسوريا والعراق وغيرهم لم يقم بعد؛ فهم يعيشون في سبت النور أو في جمعة اللامبالاة، بينما يبقى الرجاء سيفًا لا يُهزم، ولن نستسلم، فإن الاستسلام يتنافى مع كرامة الإنسان، وفقدان الرجاء هو أعظم خيانة تنتظرنا من أعناق الظلم.  

اليأس هو خيانة للقضيّة "مملكة الله على الأرض". المسيح قام، ونحن بدعوة إلهية سننتصر؛ فقيامة المسيح ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي وعد لكل قلب ينبض بالرجاء، لكل روح تتوق إلى الحرية، ولكل إنسان يسعى لنشر نور الحق في عالم ممزّق بين ظلال الموت وبزوغ فجر الحياة.

الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ

الرسومات للفنان الأرجنتينيّ: آدولفو إسكويبيل Adolfo Pérez Esquivel