د. أمير فهمى زخارى 

منذ سنوات بعيدة، جلس أبي أمامي، نظر لي نظرة العارف بأسرار الدنيا، وقال جملة واحدة، جملة غيرت حياتي: “يا بني، كل ما تقابل حد، تصوّر إنها آخر مرة تقابله فيها.” وقتها فكرت: “ده كلام غريب، إيه اللي يخلي أي حد يفكر في نهاية كل لقاء؟” لكن مع مرور الأيام، فهمت الحكمة في الوصية.
 
تخيل أن كل شخص تقابله هو شخص لن تراه مرة أخرى. كيف سيكون اللقاء؟ ستبتسم أكثر؟ تستمع بعمق؟ قد تمد يدك بالمساعدة أو تقول كلمة طيبة كنت ترددها في نفسك دون نطق؟ الحقيقة هي أنك ستعيش اللحظة بكل تفاصيلها وستجعل الطرف الآخر يشعر وكأنه أهم شخص في العالم.
 
لكن للأسف، معظمنا لا يدرك قيمة هذه الوصية إلا بعد فوات الأوان. هل مررت بتلك اللحظة القاسية التي تسمع فيها أن صديقاً أو قريباً قد توفى، وتجد نفسك تقول: “ده أنا كنت لسة معاه امبارح… يا ريتني كنت قضيت معاه وقت أكتر”؟ كم مرة تمنيت أن تعود بك اللحظة لتقول ما لم تقل، أو لتحتضن من لم تحتضن؟
 
هذه التجربة المؤلمة هي التي تجعل وصية أبي ليست مجرد نصيحة، بل ضرورة حياتية. لو تعاملنا مع كل لقاء وكأنه الأخير، فلن نترك شيئاً معلقاً. لن نؤجل كلمة حب أو شكر. لن نتجاهل فرصة للحديث أو الضحك أو حتى الصمت معاً.
 
أصدقائي دائماً يسألونني: “إزاي بتتعرف على الناس بسهولة؟” السر يا أعزائي في وصية أبي. لما تتخيل إن اللقاء هو الأخير، هتلاقي نفسك بتتصرف بطريقة مختلفة تماماً، بطريقة فيها دفئ، احترام، واهتمام حقيقي.
 
جربوها. في أول لقاء مع شخص جديد، أو حتى مع أصدقائكم القدامى، خذوا دقيقة للتفكير: “ماذا لو كان هذا آخر لقاء؟” ستتفاجأون كيف ستتغير كلماتكم وأفعالكم، وكيف سيصبح للحظة قيمة جديدة.
 
وصية أبي لم تكن فقط عن اللقاءات، لكنها كانت درساً عميقاً عن الحياة، عن أن نعيشها كما لو أن كل يوم هو الأخير.