حمدى رزق

بالأمس كان حديث صحافة الذكاء الاصطناعى، واليوم الحديث عن حكومة الذكاء الاصطناعى، الكلام بيجيب بعضه.

يغبطك ويثلج صدرك ويشحن بطاريات الأمل فى نفسك عدد كليات الذكاء الاصطناعى فى مصر، ٢٦ كلية فى ٢٧ جامعة حكومية، فضلًا عن ٢٠ كلية حاسبات ومعلومات وذكاء اصطناعى فى ٣٢ جامعة خاصة، و٢٠ كلية للحاسبات والمعلومات والذكاء الاصطناعى فى ٢٠ جامعة أهلية، و١٠ كليات حاسبات وذكاء اصطناعى بالجامعات المنشأة باتفاقيات دولية وأفرع الجامعات الأجنبية، إلى جانب ١٥ معهدًا للحاسبات والمعلومات فى المعاهد العليا الخاصة.

 

تخيل أن «حكومتنا الذكية» ضربها الخيال، وقررت إفساح المجال لاستثمار هذه الطاقات البشرية المزودة بآليات الذكاء الاصطناعى فى دولاب حكومتها، كانت حياتى اتغيرت.

 

تخيل شكل الحياة فى المحروسة، يقينا ستكون أسهل كثيرا من حالة العشوائية والتخبط التى تسود قطاعات رئيسة تحكم وتتحكم فى الحالة المصرية من منتجات البيروقراطية العريقة الموروثة من عصر تياتى الوزير، وهو لقب أعلى مسؤول حكومى فى مصر الفرعونية.

 

ويسرح بك الخيال محلقا، لو استقدمت حكومة مدبولى ألف «روبوت» من روبوتات الذكاء الاصطناعى، وتلقينها مخطط الحكومة الاقتصادى ٣٠/٢٥ (الخطة الخمسية الحالية)، واستقبال النتائج، يقينا ستكون خلافا للتوقعات بسنوات ضوئيّة.

 

خيال يجاوز الخيال نفسه، أن تتحلى الحكومة بالذكاء الاصطناعى، أخشى لن نكون فى حاجة إلى هذا العدد من الوزراء ونوابهم ومساعديهم، وطابور من رؤساء الهيئات والمؤسسات، أخشى ستحال الحكومة للتقاعد..

 

الحكومة الإلكترونية التى يتباهون بها ستكون ماضيا أقرب إلى الجاهلية البيروقراطية، أخشى يستعصى على رئيس الوزراء حامل دكتوراه الفلسفة فى الهندسة المعمارية، التعاطى الإيجابى مع مخرجات حكومة الروبوتات فائقة الذكاء.

 

سد الفجوة الذكية يحتاج إلى حكومة أكثر ذكاء، حكومة تتقفى طفرات الذكاء الاصطناعى، وتعمل على تجسير الهوة، بالتواصل مع العقول الذكية التى ابتكرت الروبوتات الذكية، البعثات العلمية الاستكشافية الوطنية فى طريقها إلى الغرب ستكون كمن يهبط على سطح القمر لدراسة طبوغرافيته.

 

هل تجهزت حكومتنا الذكية لعصر الآلة، مراجعة أعداد البعثات وتخصصاتها لايزال أقل من طموحاتنا، عدد الطلاب المصريين الدارسين بالخارج بلغ ١٣ ألفًا و٣١٩ طالبًا، ليس كافيا، الصين أكبر مصدر للطلاب الدوليين فى الولايات المتحدة، بإجمالى ٣١٧.٢٩٩ ألف طالب صينى مسجل فى برامج التدريب على مستوى البكالوريوس والدراسات العليا بأمريكا!!.

 

الأرقام مصريا لا تعكس رغبة محمومة للحاق بعصر الذكاء الاصطناعى.. فضلًا عن أعداد الطلاب الأذكياء الراغبين فى دراسة الذكاء الاصطناعى لا يشى برغبة ملحة فى التواصل مع الثورة الرقمية.

 

ماضوية الدولة العميقة، ونسقها البيروقراطى العريق، وثقافتها الغارقة فى السلفية الأكاديمية والثقافية، لا يؤشر على رغبة عارمة فى ولوج عصر الآلة، وهذا ما يستوجب النداء عليه عاجلا قبل أن يدهمنا الروبوت.

 

زمنا ماضيا فى عصر الطرابيش كانت الفجوة بين مصر والثورة الفكرية (عصر النهضة) كما بين الأرض والقمر، لكن مصر نجحت فى ركوب البحر وصلا، وكانت البعثات العلمية ملمحا تنويريا.

 

 

وفى زمن ماض كانت الفجوة رهيبة بين الحرفيين فى مصر والثورة الصناعية، تكفل رسل مشروع النهضة الأول (عصر محمد على باشا)، والثانى (عصر عبدالناصر) بسد الفجوة، الآن الفجوة الآلية تتسع، صارت مثل «الثقب الأسود»، لن تسدها عقول بيروقراطية متحجرة تخاصم عصر الذكاء الاصطناعى، وتتحدث بلسان ابن تيمية.

نقلا عن المصرى اليوم