طارق الشناوى
أتابع حالة الاستنفار التى يؤججها عدد من الإعلاميين والفنانين عبر (الميديا) لكى يمنحوا الدولة المزيد من الوقود، حتى تزداد قبضة القيود، من خلال اللجنة التى يشكلها حاليا رئيس الوزراء، وأتصور أنه سوف يتم إعلانها عقب إجازة العيد، لتصبح بمثابة رقابة متشددة على الرقابة المتشددة أصلا، هل فى صالحنا أن تزداد قائمة الممنوعات، أم الأجدى فتح الأبواب لنرى كل أحلامنا ومشاكلنا على الشاشات؟.
الرأى العام فى مصر مهيأ تماما لمصادرة الأعمال الفنية، بعد أن استقر فى ضميرنا أن كل ما يقدم عبر الشاشات هو المسؤول الأول عن أى إخفاق، بالغ البعض فى رسم صورة عن تشويه للشخصية المصرية ومحو هويتها، مؤكدين أنه مخطط كونى يتم تدبيره منذ زمن، علت نبرة هذا الصوت فى الأيام الأخيرة.
الشخصيات السلبية فى مختلف أنماط الدراما تشكل الأغلبية، وهى ظاهرة عالمية، تابعوا مثلا كم مرة قدمنا (ريا وسكينة)، وكم مرة حياة عالمة الذرة نبوية موسى، هناك خط فاصل بين القيمة الدرامية والقيمة الأدبية، (ريا وسكينة) تتوجه إليهما البوصلة، لأنهما تملكان قيمة درامية، الآن مثلا المخرج مروان حامد يضع اللمسات الأخيرة لفيلم (الست)، عن حياة أم كلثوم، كما أن الكاتب مدحت العدل لديه مشروع مسرحية عن أم كلثوم، جميل ومطلوب وسوف يصبح الرهان الحقيقى هو كيف تقدم عملا فنيا جاذبا وممتعا يتناول حياة (كوكب الشرق)، لكن هل لا يجوز مثلا أن يقدم مروان أو مدحت مشروعهما القادم عن سفاح؟.
قبل سنوات بعيدة ونحن نكرر أن سر تردى التعليم فى مصر (مدرسة المشاغبين)، المسرحية قدمت مطلع السبعينيات، واكبت بداية انتشار شريط الكاسيت، ومن لا يملك سعر تذكرة المسرح، يضحك وهو يستمع إلى عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبى وسهير البابلى وحسن مصطفى.
بعض الدول العربية كانت تخشى عرضها، استقر فى الأذهان أنها ستؤدى إلى تردى التعليم، ولو تصفحت الأرشيف، ستتأكد أن العديد من المتابعات الصحفية كانت تؤكد أن الحل الوحيد لإنقاذ التعليم فى بلدنا لن يتحقق إلا إذا أطفأت المسرحية أنوارها وتم حرقها من الأرشيف.
واقعيا لانزال نشاهدها، والعيد لا يصبح عيدا بدون أن يعاد عرضها، هى واحدة من ثلاث أو أربع مسرحيات على أكثر تقدير صارت فى حياتنا (أيقونات) الضحك.
هل من الممكن أن يعبر عمل فنى أكثر من جيل لأنه مسف أو يحمل بداخله أفكارا دأبنا على وصفها، حتى نريح ونستريح، بالهدامة.
هل ننكر أو نستنكر أن مسرحية (المشاغبين) لعبت دورا محوريا فى إسعاد المصريين والعرب، وأنها حتى الآن تمتلك العديد من مفاتيح الضحك بل وتصالحنا على الحياة.
من السهل جدا أن تقول الكثير منتهكا شرف المسرحية، وتغفل أنها قدمت عالميا فى أكثر من عمل فنى أمريكى وبريطانى، ولم تتهم أبدا بأنها السر وراء تدهور التعليم هناك.
الدعوة إلى مواجهة الفن بالتشدد الرقابى لم تعد صالحة فى هذا الزمن، علينا أن ندرس ونحلل ونعرف لماذا أقبل الجمهور على هذا المسلسل مثلا وكان يضبط ساعته على موعده؟.
مسلسلات مثل (الأسطورة) أو (البرنس) أو (جعفر العمدة) كانت الجماهير فى رمضان قبل سنوات قليلة، تغادر بيوتها لكى تتوحد على مشاهدتها فى المقاهى، المخرج محمد سامى مع بطل الحلقات محمد رمضان أمسكا بوميض من التواصل مع الجمهور، نالت هذه المسلسلات ولاتزال الكثير من الضربات والاتهامات، إلا أنها فى النهاية لاتزال تتمتع بقدرتها على جذب الجمهور.
اللجان القادمة وحالة التشدد التى يتم التبشير بها لن تنقذ الدراما ولا الفن، فقط افتحوا الباب لمناقشة كل قضايانا، التشدد الرقابى سوف يزيد الأزمة أزمة، لا تحيلوا القيود إلى وقود يحرق الإبداع!!.
نقلا عن المصرى اليوم