( بقلم : أشرف ونيس )
تناغم الصراع مع الأفكار حين تبرأ البدن من الشعور من كل ما طرأ عليه بكل ما يحتويه الخارج ! كان الوقت يدنو الى بداية حدوده ، و كان الليل يستشعر دفئه بين فكي صقيعه حيث الشتاء بكل ثقله على النفس و الجسد معا !!!

كانت جزيئات الهواء تتسارع فى سباق حيث الرياح بكل عنفوانها و جبروتها وقت أن هبت بغير رؤية المقابل لها ؛ فقد فرت المادة آبية الكل إلا مواجهة عتو تلك الرياح الغاشمة ؛ و هكذا كانت هزيمتها قابعة بهروبها كما كان هروبها خانعًا لضعف هزيمتها النكراء !!!

ألف ذلك الشخص لطمة أمواجه التى اعتاد عليها منذ أن تكشفت عيناه على مسرح وجوده . فلقد ترنحت قدماه ذهابا ف إيابا وهى التى لم تلبث أن تشخص إلى الأمام حتى تتسارع قدما فى إيابها ثم ذهابها ! كان طيلة طريقه محتضنا  لظلمته بل أن ظلمة ليله الداكن هى ما لفت أحابيلها حوله عندما شملته و اكتنفته و أدركته إدراكا ! حدق الى الأمام ، و كانت عيناه قد كلَّت عن النظر صوب سبيله ، و وسط قطرات المطر المضطجعة بين جنبات جليدها المُحكَم فإذ به و قد أخذته حميته ليقاتل عدوه بل عدو الإنسانية الأكبر : الخوف ! فلابد له من الوصول الى حيث يبغى و يريد ، ولابد له أن يضع حدا لعدم انفراجة روحه التى لطالما خشيت المواجهة مما قد قُدِر لها ، و ما قد مر على ذاكرتها بكل صوره ، و ما لم يُلق بأنظاره بعد إلى أرضنا و زماننا بل مازال بأحضان اللاوجود مأخوذًا فى سُباتٍ عميق ...... ، بذلك اجتر على ما كان يختلج بفؤاده ، و بذات الكلمات قد تلعثم بها لسانه !!!

تثبتت قدماه و شدت من أزرها كثيرا ، انتصبت قامته و صار أفقه لا أسفله هو مرمى البصر بل الشغل الشاغل له ، شعر بشيء من برد ليله و أحس بقطرات المطر تتصبب على جبهته ، فلقد عاد اليه إحساسه - أى وجوده - بعد أن كان فى كنف العدم شاردا تائها ضائعا ، تأفف حلوكة ليله و باتت العتمة لا تُسدى له أى من حوائجه فى الاختباء التواري ، إذ إنها أضحت لطمات موجعة موجهة إلى القلب قبل العين ، و النفس قبل البصر ، و الروح قبل البصيرة ! فلقد تحركت جوانحه نحو نهاره و أمسى كيانه لا يأبه بالظلام و لا يعتد به ، و هكذا أبدل قمره المظلم بشمس السماء ، كما نجوم ليله الدامس بضوء النهار المشرق اللامع الوضَّاح !

فما أكثر ما خنع لقدره ، خاشعا لقراراته ، مختبئا من صفعاته التى هزته و زلزلته و رنحته أشد ترنحا ، لكنه انتفض تمردا شاقا بذلك له عصا الطاعة ، و فى عنفوان رضوخه لحريته التى أطلت بوجهها المنير بين حنايا ضلوعه ؛ فإذ به يصدح بصوته ليخترق طبقات الكون فى فراغها الشاسع ، حتى زعزع بذلك مقلقلا عتبات الوجود فى رصانتها . فانحنى له الخوف ، و انبطح أمامه القلق مستلقيا على وجهه ، كما التزمت خفقات قلبه الهدوء بعد أن تسارعت فى سباق مع أنفاسه و جريان دمه الذي باتت شرايينه أخاديد له ! فلقد خمد الكل و استكان ! و بينما بقيت ذراعيه ممدودة و ممتدة إلى السماء فى عليائها ؛ فإذ بالشمس تبتسم له بزوغا من بين حُجبها ، و الرياح بكل عصفها تسكن فى هدوء عظيم ، كما أن زخات المطر قد اعتراها التجمد مطمئنة بذلك بين ثنايا سحائبها ! نعم ! إنه وجوده المفقود و ذاته التى كم كانت منتثرة متشظية مبعثرة !

وهاهى فطنته التى تزحزحت  من قوقعة ذاتها و سبحت فى خضم بحر لامع من المعرفة و الإدراك : أن خشية المجهول لا تُجدى نفعا بل إنها سقوط و انهيار و تقويض ، فقيْد النفس هو الهدم ، و أسر الروح هو الموت ذاته ، فما أصعب الحياة المكبلة بالخوف ، و ما أتعس الموت الحى المتمدد بكهف الحياة المائتة التى ترزح تحت ثقل الذعر و التوجس و الارتياع . فلا حياة دون حرية ولا وجود بلا قدرة على التفوه ب « لا » فى وجه كل ما يجعل منا هيئة دون ذات و أشخاص بلا وجود لها !!!