د. ماجد عزت إسرائيل
بيت حسدا هو اسم أرامي يعني "بيت الرحمة"، ويُرجّح أن موقعه في أورشليم القديمة، بالقرب من باب الضأن إلى الشمال الشرقي من منطقة الهيكل، بجوار كنيسة القديسة حنة، إحدى أقدم الكنائس البيزنطية،حتى اليوم. وقد اكتُشفت البركة في هذا الموقع خلال حفريات أثرية أُجريت عام 1888م، كشفت عن معلم معماري ضخم محفور في الصخر، يتّسع لمياه المطر، يبلغ طوله نحو 55 قدمًا وعرضه 12 قدمًا. وتحيط به بنية مستطيلة الشكل تحوي أربعة أروقة، ويقسمه مجرى خامس في الوسط إلى قسمين، ما يُحقق تمامًا الوصف الوارد في الإنجيل:"وَفِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الضَّأْنِ بِرْكَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ «بَيْتُ حِسْدَا» لَهَا خَمْسَةُ أَرْوِقَةٍ." (يو 5: 2) وقد أكد الباحثون وعلماء الآثار أن هذه البركة هي على الأرجح المكان الذي أجرى فيه السيد المسيح معجزة شفاء المخلع، كما ورد في إنجيل يوحنا. وقد اشتهرت البركة في العهد القديم والجديد بخصائصها الشفائية، إذ كان المرضى يتجمّعون في الأروقة المحيطة بها منتظرين تحريك الماء، معتقدين أن أول من ينزل بعد التحريك يُشفى من أي مرض كان فيه.
وقد تنوعت الآراء حول تفسير هذه الظاهرة، فمنهم من رأى أن الشفاء كان نتيجة لمواد كانت تُطرح في الماء، أو لتأثير دم الذبائح، أو لنبع مالح في قاع البركة كان يهيج من حين إلى آخر. بينما اعتبر آخرون أن الشفاءات كانت مجرد تأثيرات نفسية، في حين رأى كثيرون أنها أعجوبة إلهية، وتحريك الماء كان إشارة زمنية لحلول نعمة الشفاء لمن يتجاوب بالإيمان. وهكذا، تبقى بركة بيت حسدا شاهدًا أثريًا وروحيًا عظيمًا على رحمة الله العاملة في التاريخ، ومكانًا يذكّرنا بأن النعمة لا تزال تزور الإنسان في لحظات ضعفه، وتدعوه دومًا إلى الرجوع بثقة إلى محبة الله.
وفي بيت حسدا، بيت الرحمة، أو عند البركة نرى لقاءً فريدًا بين الطبيب السماوي(يسوع) والمريض الذي ظل مشلولًا لمدة 38 عامًا. فلم يأتِ المريض إلى يسوع، بل يسوع هو من اقترب إليه وسأله بلطف: «أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟» رغم سنوات الألم والعزلة، أجاب المريض بوداعة دون تذمّر، كاشفًا عن قلب متواضع لا يزال يرجو الرحمة. لم يحتجّ، لم يشكُ، بل وضع أمله في كلمة. فحين قال له السيد «قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ»، أطاع في الحال وقام. وهذا الشفاء لم يكن جسديًا فقط، بل إعلانًا عن نعمة تتجاوز الناموس، وتعطي الحياة حيث يعجز البشر. فبيت حسدا ظل شاهدًا على محبة إله لا ينتظر أن نأتي إليه، بل هو يأتي إلينا حاملاً الشفاء والرحمة. وإليك أيها القارئ النص كما ورد في إنجيل يوحنا، إذ يقول:"وَفِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الضَّأْنِ بِرْكَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ «بَيْتُ حِسْدَا» لَهَا خَمْسَةُ أَرْوِقَةٍ. فِي هذِهِ كَانَ مُضْطَجِعًا جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنْ مَرْضَى وَعُمْيٍ وَعُرْجٍ وَعُسْمٍ، يَتَوَقَّعُونَ تَحْرِيكَ الْمَاءِ. لأَنَّ مَلاَكًا كَانَ يَنْزِلُ أَحْيَانًا فِي الْبِرْكَةِ وَيُحَرِّكُ الْمَاءَ. فَمَنْ نَزَلَ أَوَّلًا بَعْدَ تَحْرِيكِ الْمَاءِ كَانَ يَبْرَأُ مِنْ أَيِّ مَرَضٍ اعْتَرَاهُ. وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً. هذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعًا، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَانًا كَثِيرًا، فَقَالَ لَهُ: «أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟» أَجَابَهُ الْمَرِيضُ: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ، يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ». فَحَالًا بَرِئَ الإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى. وَكَانَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ سَبْتٌ." (يو 5: 2-9).