بقلم الراهب القمص يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر
"بيت حسدا" كلمة عبرية معناها "بيت الرحمة" يخبرنا الكتاب المقدس، أنه فى أيام آحاز الملك بُنيت بركة مياه لتجميع مياه الأمطار نحو (750 – 700 ق.م.)، ترتبط هذه البركة بقناة لتوصيل المياه إلى الهيكل ( إش 7 : 3 وإش 36 : 2 و 2 ملوك 18 : 17). وفى سفر يشوع بن سيراخ، نجد أن سمعان بن أونيا الثانى نحو (200 – 190 ق.م) وهو عظيم الكهنة، قد بنى بركة عظيمة كخزان مياه لخدمة الهيكل (يشوع بن سيراخ 50 : 1 – 2).
وعلى عهد هيردوس الكبير ( 37 ق.م.) بَطُل إستعمال البركتين، لأن الملك هيرودس حفر "بركة إسرائيل" بقرب الهيكل عندما وسّعَ ساحة الهيكل من جهة الشمال، وأصبحت تستخدم مياه البركتين لغسل الحيوانات قبل تقديمها للهيكل. وفى عام 135 ميلادية زين الإمبراطور هادريان، القدس "إيليا كابتولينا" بإنشاء حمّام بالقرب من البركة، ومعبد للإله "إسكلابيوسAsclepions Serapis " إله الطب عندهم، ليطمس ذكرى معجزة السيد المسيح التى شفى فيها المقعد عند البركة. وقد كشفت الحفريات عن بقايا رومانية ونذور وثنية للإله اسكلابيوس. ويروى المؤرخ يوسابيوس القيصرى (265 – 340م)، أن الناس كانوا يُدلّونه على البركتين وقد أصبحتا بلا أروقة.
تتألف بركة بيت حسدا من حوضين: شمالى وجنوبى، ويتوسطهما سدّ طوله 45 متراً وسمُكه 6 أمتار، وتبلغ مساحة الحوض الشمالي 40 × 40 متراً، أما الحوض الجنوبى فتبلّغ مساحته 65 × 50 متراً، وبعمق 13 متراً. يقع شرقى البركة مجموعة من المغاور محفورة فى الأرض، وتتراوح مساحة كل منها بين واحد إلى ستة أمتار مربعة، ولكل مغارة مجموعة من الدرجات المحفورة فى الصخرة تؤدى إلى حمّام صغير بمساحة 1 × 1 متراً وبعمق 2.50 متراً.
شيّد المسيحيون عام 400 – 427 ميلادية، كنيسة فوق البركة والمعبد الوثنى، تذكاراً لمعجزة شفاء المقعد، بلغت مساحة الكنيسة 45 × 18 متراً ولها ثمانية أقواس ضخمة كدعائم للكنيسة ويستند القسم الأمامى (الشرقى) للكنيسة على بقايا معبد إسكلابيوس، وأما القسم الخلفى (الغربى) فيرتكز على سدّ البركة المركزى، ودلت الحفريات على وجود أرضية من الفسيفساء لمكان المرتيريون Martyriun (المذبح)، منقوش عليها صلبان يعود تاريخها إلى ما قبل عام 427 ميلادية
وتعتبر كنيسة القديسة حنة، من أروع الكنائس التى حافظت على أصالتها الصليبية فى فلسطين. أول كنيسة بُنيت فوق المغارة التى وُلدت فيها العذراء مريم، كانت أوائل القرن الرابع الميلادى تقريباً، لكن هذه الكنيسة هُدمت، وأقيم فى نفس مكانها كنيسة أخرى فى القرن السادس
وفى عام 614 ميلادية هدم الفرس الكنيسة، ولكن أحد الآباء ويدعى Modestus أعاد بناءها. وقد أزدهرت هذه الكنيسة أيام شارلمان، وبقيت الكنيسة قائمة حتى هدمها الحاكم بأمر الله ( 1008 – 1020 ميلادية ).
أعاد بناؤها الصليبيون فى القرن الحادى عشر وأضافوا إليها دير للراهبات. على مدخل الكنيسة وفوق الباب نجد لوحة منقوش عليها كتابات عربية وعليها تاريخ 25 تموز 1192م، حينما حوّل صلاح الدين الأيوبى الكنيسة إلى مدرسة فى الفقة الإسلامى وأطلق عليها "الصلاحية". ويعلو المدخل أيضاً نافذة عليها نقوش عقود تضاهى تلك الموجودة على مدخل كنيسة القيامة.
فى فترة الحكم العربى، سُمح للآباء الفرنسيسكان أن يقيموا صلواتهم فى الكنيسة فى الأعياد فقط. وبعد الاحتلال التركى تنازل الأتراك عن الكنيسة لفرنسا بعد حرب القرم، فاعادت فرنسا ترميمها سنة 1856 ميلادية. وقد أوكلت حكومة فرنسا الكنيسة وما يحيطها من آثار للآباء البيض، الذين فتحوا معهداً إكليريكياً للروم الكاثوليك، وحوّلوه حالياً إلى مركز للدراسات الكتابية والأثرية. بدأت الحفريات تعمل سنة 1871 ميلادية تحت إشراف المهندس Mauss، ثم أستكملت عام 1954 – 1957 ميلادية، تحت إشراف الآباء البيض، فاسفرت الحفريات عن إكتشافات بقايا الكنائس القديمة ومغارة ميلاد السيدة العذراء.
وتقوم في الموقع كنيسة القديسة حنة الصليبية وهي من أكثر المعالم الصليبية المحفوظة إلى يومنا هذا. ويفترض أنها مبنية فوق موقع ولادة السيدة العذراء.
بعد سقوط المملكة اللاتينية حول صلاح الدين الموقع إلى مدرسة للشريعة الإسلامية ونجد فوق مدخل الكنيسة حجرا نقشت عليه كتابة تروي الحدث.
وأختفت بعدئذ من التاريخ إلى أن كشف عن بقاياها خلال الحفريات بالمنطقة، ويمكن للزائر أن يشاهد أطلال هذه الكنيسة حتى الآن. و من هنا ننطلق الى طريق الالام حتى نصل الى كينسة القيامة بالحى المسيحى.