طارق الشناوى
كثيرا ما تقرأ على (السوشيال ميديا) وفى أحاديث عدد من المسؤولين المعنيين بالشأن الثقافى هذا السؤال (السرمدى) أين الرسالة التى قدمها هذا العمل الفنى، وهل يجوز ألا يحمل الفيلم أو المسلسل رسالة؟
من جيل إلى جيل، يتردد نفس السؤال (السرمدى) الذى له مذاق الاتهام، عن الرسالة التى يحملها المخرج، ولو تجرأ وقال لهم (لست واعظًا دينيًا ولا أنا مصلح اجتماعى أنا مجرد فنان يروى لكم حكاية أتمنى أن تكون ممتعة)، فى هذه الحالة سوف تنهال عليه الضربات المتشككة التى تطعن فى ولائه الشخصى بل والوطنى.
أغلب المشاهدين ينتظرون خاصة من الدراما التليفزيونية، رسالة إيجابية، تحذرك من أن تلقى مصير البطل الفاسد، وتؤكد لك أنك سوف تنال أشد عقوبة، موت أو انتحار أو قتل أو كحد أدنى (علقة ساخنة)، لو لم تتراجع عن أفعالك الشريرة، قتل الخارج عن القانون، فى المشهد الأخير يريح قسط وافر من الجمهور، بعد ان تأكد من وصول الرسالة.
أغلب المسلسلات حتى التى هوجمت بضراوة على صفحات التواصل الاجتماعى رغم أنها حققت أعلى نسبة درجات المشاهدة مثل (سيد الناس) و(إش إش)، حملت أيضا تلك الرسالة فى حلقتها الأخيرة حتى يتم تداولها وتم إلقاء القبض على الجانى.
شاهدت فى النصف الثانى من رمضان مسلسل (منتهى الصلاحية) للكاتب محمد هشام عبيه والمخرج تامر نادى صاحب الفكرة.
المسلسل دراميًا وإخراجيًا تميز بالنضوج، فى تفاصيله وفى رسمه للشخصيات ونجح المخرج فى تسكين الأدوار، ودائمًا فى كل حلقة تتسع دائرة المراهنات، حتى نصل إلى العملة الافتراضية (البتكوين)، التى تعتبر آخر صيحة فى هذا المرض المستشرى فى العالم كله، فهو يشبه الرمال المتحركة، إذا بدأت الخطوة الأولى فلن تستطيع أبدا التراجع، ومن خلال عالم المراهنات، نطل على (بانوراما) اجتماعية تكشف لنا العالم بكل أطيافه. المسلسل يمنح فرصًا لعدد من الممثلين الجدد حسن مالك وجاسيكا حسام وملك حسن ومحمد الإمام ومصطفى عبدالسلام ومحمد عبده حافظوا على طبيعية الأداء وأجاد المخرج تسكين المخضرمين أمثال محمد فراج وهبة مجدى ومحمود الليثى ودنيا ماهر وخالد سرحان، وتوقفت إعجابًا أمام ممثل لأول مرة أراه ياسر عزت استوقفنى حضوره. صوت محمد عدوية رائع فى أداء التتر.
هل كان المسلسل بحاجة إلى أن ينتهى بهذا البرنامج المباشر الذى بثته هبة مجدى ضمن الأحداث الدرامية للجمهور تحذره من تلك اللعبة المدمرة؟، وهل كان ينبغى أن يصعد محمد فراج قبل كتابة (تترات) النهاية من فوق بناية شاهقة وقبل أن يلقى بنفسه منتحرًا أسمعنا هو أيضا خطبة عنترية تتحدث عن ندمه وتحذيره للجميع حتى لا يقعوا مثله تحت طائلة هذا الإدمان المدمر.
أعتقد أن هناك من أصر على إضافة هذا الدرس الفج فى الحلقة الأخيرة، حتى يسمح بعرض المسلسل، لا أتصور أن الكاتب أو المخرج من الممكن أن يشاركا فى اغتيال عملهما الدرامى بتلك المباشرة، غالبا حزب (ما هى الرسالة) الذى صار يتواجد بقوة فى (الميديا) بات يخشى أى انتقاد من الممكن ان يرسله أحدهم كنوع من توجيه الضرب تحت الحزام، فقرر أن يسارع بفرض تلك النهاية الفجة على الحدث من أجل غلق كل الأبواب الممكنة لمن سوف يعلى صوتهم (أين الرسالة؟)، فقدموا (الرسالة) وعلى بلاطة وسحبت الكثير من جمال المسلسل وعلى رأس ذلك جمال (الرسالة)!!.
نقلا عن المصرى اليوم