طارق الشناوى
العديد من الصراعات الفنية والثقافية تمر بنا، لكننا نسارع بقلب الصفحة، مشغولين بالصراع الدرامى المحتدم حيث نلهث جميعا وراء المسلسلات، جاءت ذكرى رحيل عبد الحليم قبل ساعات، لتؤكد أنه لا يزال قادرا على سرقة الكاميرا، وتجددت أسئلة تبحث عن إجابات مضى عليها ٤٨ عاما.
مثلا كيف كان عبد الحليم يدير معاركه الفنية؟ عندما احتدم الصراع، فى مطلع الستينيات، بين عبد الحليم حافظ ومحمد رشدى، اتهم رشدى حليم على الملأ أنه يحاكيه فى اختيار الأغانى الشعبية، ويسعى أيضا للاستحواذ على تلك الشريحة من طبقة العمال والفلاحين التى تعلقت به، كان رشدى قد تمكن من تحقيق قفزة جماهيرية هزت عرش العندليب، بأغنيتى (وهيبة) و (عدوية)، وقال رشدى أنا فلاح أغنى لأهلى وناسى (تحت الشجر يا وهيبة/ ياما كلنا برتقان) و(فى أيديا المزامير وفى قلبى المسامير)، وعبد الحليم يغنى للقاهرين والمترفين (يا شارع الضباب/ مشيتك أنا/ مرة بالعذاب/ ومرة بالهنا).
إجابة عبد الحليم أنا الأقرب للفلاحين، لأنى أساسا منهم، أعانى من أشهر مرض يهاجمهم، ويعذبهم وتنزف دماؤهم بسببه (البلهارسيا)، وبالفعل مع مرور الزمن رحل حليم عن الدنيا بسبب المضاعفات التى يسببها هذا المرض اللعين، لأنه لم يتم علاجه مبكرا فاستوطن فى الكبد.
كان حليم حريصا على إعلان مرضه كنوع من الدفاع عن النفس، حتى إنه فى أكثر من حفل شاهدناه يأخذ أقراص العلاج أثناء عزف الفرقة الموسيقية، بينما تعودنا أن الفنان يُخفى عن الناس آلامه، خاصة أن فتى الأحلام يجب أن يظل له سحره عند الجمهور، ويبدو فى كل الأحوال فى كامل لياقته الجسدية والذهنية و(على سنجة عشرة).
فى الأشهر الأخيرة شاهدنا ندرة من الفنانين يصارحون جمهورهم بحقيقة معاناتهم الصحية، أتصور أن الهدف المباشر هو الحصول على الدعم العاطفى، للوصول إلى الإحساس بالمشاركة.
أغلب النجوم يتكتمون الإعلان عن المرض، مثلا سعاد حسنى، لم يعلم الناس حقيقة ما تعانيه إلا بعد الرحيل، كانت قبلها قد قررت السفر إلى لندن والإقامة شبه الدائمة هناك حتى تختفى عن نظرات المتطفلين، الذين سوف يتساءلون عن أسباب السمنة الزائدة، بالإضافة إلى إصابتها بالعصب السابع الذى أدى إلى معاناتها فى أحد جانبى وجهها.
بالطبع توجد بعض حالات مرضية صعبة يعيشها الفنان ولا يمكن أن يخفيها عن الجمهور، مثل الموسيقار محمد فوزى الذى سمح بالتقاط صورة له بعد أن تداعت تماما صحته وتناقص وزنه واقترب من شاطئ النهاية، فقرر وداع جمهوره، خاصة الأطفال، فى رسالة تقطر دموعا نشرها عام ٦٦.
بينما فريد شوقى فوجئ بأن التليفزيون الرسمى المصرى عام ٩٨ يذيع خبر رحيله، كان يعانى من مشاكل فى القلب، صارح جمهوره بحقيقة المرض من المستشفى وهو ينفى خبر الرحيل، وأكد أنه يعتبرها مجرد بروفة للرحيل، وبعد ٤٠ يوما فقط أذاع التليفزيون الرسمى خبر الرحيل ومع الأسف لم يتم وقتها نفيه.
هل الناس تحب الفنان فقط وهو فى كامل صحته ولياقته أم تتعاطف مع مرضه؟ فعلتها المطربة إليسا بشجاعة نادرة بل والتقطت صورها وهى تتلقى العلاج، وتوجه الملايين بالدعاء لها فى العالم العربى، كما أنها، وهذا هو الأهم، منحت أملا للعديد من المرضى بالمواجهة، وهو أيضا ما سبق لأحمد حلمى أن فعله قبل بضع سنوات.
الناس على استعداد أن تمنح القوة والتعاطف وفيضا من الحب للفنان لو استشعروا أنه بحاجة حقا إلى أحضان قلوبهم الدافئة!!.
نقلا عن المصرى اليوم