حمدى رزق
«نوستالجيا» كلمة أصلها يونانى، تترجم الحنين للماضى الجميل، للأهل، للعشيرة، للصحبة القديمة، وأيام زمان، وقول للزمان ارجع يا زمان، حب زمان يتملكنا، يلون أيامنا بحنين شفيف، إلى زمن الأبيض والأسود قبل الدنيا ما تصطخب بالألوان الزاعقة.
نوبة نوستالجية استولت على وزير خارجيتنا الدكتور «بدر عبدالعاطى»، لم يطق صبرا، خف إلى مسقط رأسه، إلى «أسيوط» التى غادرها قبل عقود، غادرها على حنين، على أمل العودة.. مرد الطير يرجع لعشه.
سعى ساعيًا، وجاء من أقصى الصعيد يسعى فى مناكب القاهرة، حتى ارتقى قمة الدبلوماسية المصرية، ولكن حنينه غالب، قاده إلى أسيوط مهد الصبا ومرتع الشباب.
بدر الخارجية المصرية الساطع فى عالم الدبلوماسية، لف العالم، وزار العواصم جميعًا، ولكنه يعود من سفرته دوما إلى أسيوط، يبحث عن حب مفقود، القاهرة قاسية القلب، أسيوط وإن كانت ناشفة الدماغ لكن قلوب أهلها خضراء لاتزال.
تؤثرنى لفتات الدكتور بدر الإنسانية، عادة الدبلوماسى خطوه بحساب، وكلمه بحساب، حتى ابتسامته أو تقطيبة جبينه بحساب، قد تفسر سياسيًا على غير ما انتوى، وللمرء ما نوى.
وزير الخارجية عادة محكوم ببروتوكولات دبلوماسية مرعية حتى إنه يدرس أساسيات وأصول البروتوكول فى المعهد الدبلوماسى.. لون الكرافت له معنى ليس بالضرورة فى صدر الوزير.
مثل رجوع الشيخ إلى صباه، ليس بالمعنى الدارج فى كتاب (ابن كمال باشا)، وليس على طريقة الشاعر أبوالعتاهية (فَيا لَيتَ الشَبابَ يَعودُ يَوماً)، فحسب نوستالجيا الوزير بدر على الطريقة المصرية.
مخزون النوستالجيا فى قلوب المصريين يعادل الاحتياطى الاستراتيجى من النوستالجيا الخام المخبوءة فى صدور البشرية جمعاء.
الحنين إلى أسيوط مهد الصبا، الوزير بدر قرر فى العودة إلى سيرته الأولى، إلى مدرسته «ناصر الثانوية»، فصل «تالتة أول»، كانت لفتة لافتة، تشى بكثير من الأصالة، أبن الأصول يعرف، وهذا من شيم الصعايدة الأصلاء.
فى الفيديو المنشور تلخيصًا للزيارة، لمست مشاعر الوزير بدر، حنين جارف لأيام خلت، لأيام خوالى وأمانى عذاب، عادت به الذاكرة لأيام الدراسة والشقاوة، ذكريات عبرت أفق خيالى.. بارقًا يلمع فى جنحِ الليالى.
وكأنه يطالع دروسه ويراجع على معلمه، ويخطئ ويصيب، لولا أن اسم المدرسة فيه من اسم خالد الذكر الزعيم «جمال عبدالناصر»، ولربما تسمت باسم مركز ناصر من أعمال أسيوط، لتمنيت على محافظ أسيوط «اللواء هشام أبوالنصر» وكان حاضرًا فى زيارة الوزير تسميتها باسمه «مدرسة بدر عبدالعاطى الثانوية».
يكفى المدرسة «مدرسة ناصر الثانوية العسكرية للبنين» أنها أنجبت وزير خارجية مصر، كما أن لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية (جامعة القاهرة) فضل أنها من خرجت وزير الخارجية من مدرجاتها، الوزير عبدالعاطى أول خريج من الكلية يحمل حقيبة وزارة الخارجية.
مغزى الزيارة فى الحنين، نوستالجيا، وهذا من مكارم الأخلاق، أن يصل الكبير مدرسته التى فيها أهله وناسه، من تجليات صلة الأرحام، بالوصل، وهو بالطبع ضد القطع، والوصل بالسلام، وطلاقة الوجه، والبشاشة، والزيارة، ونحوها، وهذا من قبيل الفضل، ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذووه.
نقلا عن المصرى اليوم