هاني لبيب
الأنبا باخوميوس واحدٌ من أهم وأبرز الشخصيات فى العصر الحديث، قام بدور محورى فى تاريخ الكنيسة المصرية. ولد سنة ١٩٣٥ فى قرية شربين بمحافظة الدقهلية، وحصل على بكالوريوس التجارة من جامعة الإسكندرية. التحق بالرهبنة سنة ١٩٦٢ بدير السريان فى وادى النطرون، وسرعان ما برز دوره بسرعة فى الإدارة والخدمة، مما جعله محل اختيار البابا شنودة الثالث سنة ١٩٧١ ليكون أسقفاً لإيبارشية (النطاق الجغرافى) البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية.. وهو ما يعنى أنه ظل أسقفاً ومطراناً (مسؤولية كنسية أكبر) لمدة ٥٤ سنة حتى رحيله قبل أيام قليلة فى ٣٠ مارس ٢٠٢٥. المعروف عن الأنبا باخوميوس تميزه بالحكمة والاتزان، وهو ما جعله محل ثقة البابا شنودة الثالث، الذى أوكل له العديد من المهام والمسؤوليات، منها: الإشراف على بعض الأمور الإدارية فى الكنيسة، كما كان عضواً فى لجان الحوار المسكونى مع الطوائف المسيحية المصرية الأخرى. بعد وفاة البابا شنودة الثالث فى ١٧ مارس سنة ٢٠١٢، تم اختيار الأنبا باخوميوس ليكون قائم مقام البطريرك بعد اعتذار الراحل الأنبا ميخائيل (مطران أسيوط بسبب ظروف السن)، كانت فترة صعبة بكل الأحوال.. نظراً للظروف السياسية المتقلبة والكنسية غير المستقرة آنذاك بسبب ما مرت به مصر من صعود تيار الإسلام السياسى المتشدد وسيطرته على الحياة السياسية فى مصر. قاد الكنيسة خلال فترة انتقالية حرجة جداً داخل الكنيسة بسبب بعض الاتجاهات التى حاولت التأثير على قرار انتخاب البابا، وحل النزاعات بكل هدوء وتريث خاصة فى ظل اتخاذ قرارات حاسمة فى بعض الملفات الهامة. امتدت قيادته للكنيسة من شهر مارس إلى شهر نوفمبر سنة ٢٠١٢، حيث كان مسؤولاً عن إدارة شؤون الكنيسة وعن اللجنة المنظمة لانتخابات البابا الجديد.

وقد اتسمت قيادته بالحكمة والهدوء حيث استطاع استيعاب كافة التوترات داخل الكنيسة فى ظل الانقسامات (بين بعض تيارات الحرس القديم والجديد حسبما أطلقوا عليها حينها) حول إجراءات اختيار البطريرك الجديد، كما أقر قواعد صارمة لضمان نزاهة الانتخابات البابوية. وهو ما مكنه من الحفاظ على استقرار الكنيسة خلال مرحلة حساسة من تاريخها. أذكر أننى عرفت الأنبا باخوميوس عن قرب أثناء أزمة وفاء قسطنطين فى شهر ديسمبر سنة ٢٠٠٤ من خلال مقابلة شخصية، رتب لها الأنبا موسى «أسقف عام الشباب»، وهى قضية شائكة، سيأتى وقت لأكتب عنها بالتفصيل وبالمعلومات المدققة، ولم أقابله بعدها حتى توليه مسؤولية قائم مقام البطريرك. وذلك بعد أن دار نقاش بينى وبين د. صموئيل متياس «مسؤول المراسم بالكنيسة حينذاك» عن تداول تصريحات غير صحيحة وغير معلوماتية فى وسائل الإعلام عن إجراءات انتخاب البابا ومراحلها وفلسفتها.. بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف عليها. ثم رتب د. صموئيل جلسة خاصة مغلقة مع المستشار الراحل إدوارد غالب، وانتهينا بتبنيه مقترحا بعقد لقاء مصغر مغلق لحوالى ١٥ شخصية عامة مسيحية مصرية ممن لهم دور سياسى وإعلامى لشرح كافة تفاصيل مراحل الانتخابات البابوية والرد على أسئلتهم. وبعد عرض المقترح من المستشار إدوارد غالب على الأنبا باخوميوس وافق بشدة، ودعم الفكرة، وطلب منى المستشار إدوارد غالب اقتراح الشخصيات العامة، وتقدمت مع د. صموئيل بقائمة تضم ٢٠ شخصية عامة، وتم دعوتهم بالفعل. وكانت نتيجة هذا اللقاء مميزة جداً.. فحدث تطور فى التصريحات والمعلومات التى تم تداولها بعد ذلك، وأصبحت أكثر تدقيقاً، وأصبحت كافة الإجراءات معروفة ومعلنة بوضوح. ودار حوار شخصى بينى وبينه بعد هذا اللقاء.. أكد لى حينها أنه حريص تماماً على استقرار الكنيسة ومستقبلها وسلامها.. ليعود لإيباراشيته.

نقطة ومن أول السطر..
يظل الراحل الأنبا باخوميوس.. شخصية محورية فى تاريخ الكنيسة المصرية حيث جمع بين الحكمة والاتزان فى أصعب الفترات. استطاع الحفاظ على وحدة الكنيسة خلال الفترة الانتقالية بعد البابا شنودة الثالث.. مما جعله من الشخصيات المؤثرة فى التاريخ الحديث للكنيسة المصرية. وسيظل التاريخ هو الحكم على مثل تلك الشخصيات المحورية بما لها وما عليها.. فى سياق ما قاموا به تحت إطار من التحديات والأزمات والملابسات.. التى هى قليلها معلن، ومعظمها خفى وغير معلن.. وهو الذى يمثل التاريخ الحقيقى للشخصيات والأحداث.
نقلا عن المصرى اليوم