د. ماجد عزت إسرائيل

قرية سلوان
 سلوان (سِلْوَامَ) هي البلدة المجاورة لأسوار مدينة القدس من الجهة الجنوبية. ويحدّها من الشمال سور البلدة القديمة، ومن الغرب حي الثوري، ومن الجنوب جبل المكبر، ومن الشرق أبو ديس، العيزرية، وجبل الطور. وقد امتدت أراضيها تاريخيًا حتى منطقة الخان الأحمر الواقعة بين القدس وأريحا، ما جعل تلك المنطقة تُعرف باسم "خان السلاونة". وتُعدّ سلوان جزءًا من القدس الشرقية التي خضعت للإدارة الأردنية عقب نكبة عام 1948م، حتى احتلتها إسرائيل في عام 1967م. ومنذ ذلك الحين، أُدمجت سلوان ضمن بلدية القدس حسب النظام الإداري الإسرائيلي، بينما تُعدّ إداريًا، وفق التصنيف الفلسطيني، جزءًا من منطقة J1 التابعة لمحافظة القدس.وفي عام 1980م، أعلنت إسرائيل ضم القدس الشرقية، بما فيها سلوان، إلى الشطر الغربي من المدينة، واعتبرت "القدس الموحدة" عاصمة لها بموجب "قانون القدس"، أحد قوانينها الأساسية. إلا أن هذا القانون قوبل برفض واسع من قبل المجتمع الدولي، حيث اعتبرته الأمم المتحدة خرقًا للقانون الدولي ونددت به "بأشد العبارات"، لكونه يشكّل عائقًا كبيرًا أمام تحقيق سلام عادل ودائم.

مساحة ومناخ سلوان
 بلغت مساحة أراضي سلوان قبل عام 1967م نحو 65,000 دونم، أي ما يعادل 65 مليون متر مربع، منها 47,000 دونم (47 مليون م²) من الأراضي الزراعية، و18,000 دونم (18 مليون م²) من الأراضي الصخرية. وبعد الحرب، صادرت إسرائيل الجزء الأكبر من هذه الأراضي، وأقامت على جزء منها مستوطنة معاليه أدوميم. أما مساحة سلوان الحالية، فقد تقلّصت لتبلغ نحو 5,421 دونمًا، أي 5.42 مليون متر مربع. وتقع البلدة على ارتفاع يتراوح بين 600 -700 متر فوق مستوى سطح البحر، وخصوصًا في المناطق المحاذية لأطراف جبل الطور، ثم تنحدر بشدة غربًا نحو وادي النار .وتتميّز سلوان بمناخ معتدل، حيث يبلغ متوسط درجة الحرارة السنوية حوالي 17 درجة مئوية، فيما تصل نسبة الرطوبة السنوية إلى نحو 60%، ويُقدّر معدل الهطول المطري السنوي بنحو 404.8 ملم.

بركة سِلْوَامَ والمسميات التي اطلقت عليها
 تقع بركة سِلْوَامَ جغرافيًا إلى الجنوب من مدينة القدس، داخل قرية سلوان، وعلى مسافة قريبة من نبع "أم الدرج". وهي عين ماء عذبة تبرّك بها واستشفى منها أهل مدينة أورشليم القدس عبر العصور، وتُعدّ مصدرًا رئيسيًا للمياه في المدينة، حيث كانت تسقي بساتين وادي قدرون. وتُعرف البركة أيضًا باسم "سلوام"، وهو اسم عبري معناه "مرسَل"، وقد ورد ذكرها في العهد القديم قائلاً: "لأَنَّ هذَا الشَّعْبَ رَذَلَ مِيَاهَ شِيلُوهَ الْجَارِيَةَ بِسُكُوتٍ، وَسُرَّ بِرَصِينَ وَابْنِ رَمَلْيَا." (إش 8: 6). وفي أسفار نحميا ويوحنا. وفقًا للمؤرخ يوسيفوس، تقع البركة أسفل وادي الجبانين، وهي المعروفة اليوم ببركة"سلوان"، ويبلغ طولها نحو 58 قدمًا، وعرضها 18 قدمًا، وعمقها 19 قدمًا. فتأتي مياهها من "عين العذراء" عبر قناة محفورة في الصخر بطول 1708 أقدام، نُحتت في زمن الملك حزقيال، وقد عُثر فيها عام 1880م على نقش عبري قديم يصف التقاء فريقَي الحفر من الجانبين أثناء شق القناة.


 وتُعدّ بركة سلوان موقعًا أثريًا ودينيًا بارزًا، ارتبطت أحداثه بالكتاب المقدس، وخاصة في العهد الجديد، حيث شفى السيد المسيح رجلاً وُلد أعمى بعدما أمره أن يغتسل في مياهها حيث ورد نصًا"وَقَالَ لَهُ (يسوع:«اذْهَبِ اغْتَسِلْ فِي بِرْكَةِ سِلْوَامَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: مُرْسَلٌ، فَمَضَى وَاغْتَسَلَ وَأَتَى بَصِيرًا. فَالْجِيرَانُ وَالَّذِينَ كَانُوا يَرَوْنَهُ قَبْلًا أَنَّهُ كَانَ أَعْمَى، قَالُوا: «أَلَيْسَ هذَا هُوَ الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ وَيَسْتَعْطِي؟» آخَرُونَ قَالُوا: «هذَا هُوَ». وَآخَرُونَ: «إِنَّهُ يُشْبِهُهُ». وَأَمَّا هُوَ فَقَالَ: «إِنِّي أَنَا هُوَ». فَقَالُوا لَهُ: «كَيْفَ انْفَتَحَتْ عَيْنَاكَ؟» أَجَابَ ذَاكَ وقَالَ: «إِنْسَانٌ يُقَالُ لَهُ يَسُوعُ صَنَعَ طِينًا وَطَلَى عَيْنَيَّ، وَقَالَ لِي: اذْهَبْ إِلَى بِرْكَةِ سِلْوَامَ وَاغْتَسِلْ. فَمَضَيْتُ وَاغْتَسَلْتُ فَأَبْصَرْتُ»." (يو 9: 7-11). كما كان اليهود يستخدمون ماءها في الطقوس الدينية، مثل احتفال اليوم الأخير من عيد "المظال"، حيث يحمل الكاهن إبريقًا من ذهب ليملأه من البركة ويعود به في موكب إلى الهيكل. ويُعتقد أن المسيح أشار إلى هذا التقليد في قوله: " إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ»." (يو 7: 37-38). وتُذكر البركة أيضًا في حادثة سقوط برج سلوام الذي قتل ثمانية عشر شخصًا حيث كتب القديس لوقا قائلاً: "أَوْ أُولئِكَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ سَقَطَ عَلَيْهِمُ الْبُرْجُ فِي سِلْوَامَ وَقَتَلَهُمْ، أَتَظُنُّونَ أَنَّ هؤُلاَءِ كَانُوا مُذْنِبِينَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ السَّاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ؟"(لو 13: 4)، ويُرجح أنه كان يقع في المنطقة نفسها. كما أشار ياقوت الحموي إلى بركة سلوان بوصفها "عين نضاخة يتبرك بها ويُستشفى منها، تسقي جنانًا عظيمة".

بركة سلوام: تاريخ حيّ من معجزة الماضي إلى رجاء المستقبل

بركة سلوام، الواقعة جنوب مدينة القدس في قرية سلوان، تُعد من أبرز المعالم الأثرية والدينية في المدينة. اكتُشفت بشكل مفاجئ عام 2004 أثناء أعمال صيانة للبنية التحتية، حيث عثر العمال على درجات حجرية تؤدي إلى بركة قديمة، تبيّن لاحقًا أنها البركة التوراتية المشار إليها في إنجيل يوحنا، والتي ارتبطت بمعجزة شفاء السيد المسيح لرجل وُلد أعمى. وتتغذّى البركة من نبع جيحون عبر نفق حزقيا، الذي يعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، ويُعد من أروع الإنجازات الهندسية في تاريخ يهوذا القديمة. وقد تطوّر استخدام البركة على مرّ العصور؛ ففي فترة الهيكل الثاني استُخدمت كموقع طقسي للاغتسال والتطهّر، خاصة خلال مواسم الحج، ثم تحولت في العصر البيزنطي إلى موقع مقدّس يخلّد معجزة الشفاء، فبُنيت قربها كنيسة لإحياء هذا الحدث. وفي يناير 2023م، أعلنت سلطة الآثار الإسرائيلية عن بدء مشروع واسع النطاق للكشف الكامل عن البركة وفتحها أمام الجمهور لأول مرة في التاريخ الحديث. يهدف المشروع إلى إزالة الرواسب المتراكمة عبر القرون، مما سيُظهر البركة بحجمها الأصلي ويُعيد تقديمها كمعلم أثري وروحي بارز. وتكمن أهمية بركة سلوام في البُعدين الديني والتاريخي؛ فهي ليست مجرد خزان مياه أثري، بل كانت مصدرًا حيويًا لحياة سكان القدس قديمًا، وموقعًا روحيًا شهد أحداثًا عظيمة تركت أثرًا في الوعي اليهودي والمسيحي. وتُعدّ اليوم مقصدًا للحجاج والباحثين عن البركة والشفاء، وللمهتمين بتاريخ المدينة المقدسة. فمع استمرار أعمال التنقيب خلال السنوات المقبلة، من المنتظر أن تُفتح البركة تدريجيًا أمام الزوّار، لتتيح لهم فرصة نادرة للسير على خطى التاريخ، والتعرّف عن قرب على البراعة الهندسية والعمق الروحي الذي اختزلته مياه سلوام عبر القرون.