د. سامح فوزى
أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات، حدها الأدنى 10%، وترتفع إلى مستويات أعلى حيال الدول التى لا ترتبط بعلاقات تجارية متكافئة مع واشنطن. وإذا كانت بعض الدول العربية، من بينها مصر، طالتها زيادة 10% فى التعريفة الجمركية المفروضة على صادراتها للولايات المتحدة، فإن هناك دولا أخرى مثل الصين بلغت الزيادة 34%، ورغم ذلك لم تكن هى الأعلى بين الدول، بل هناك دول طالتها زيادات كبيرة مثل جزر الفوكلاند، سوريا، العراق، موريشيوس، سيريلانكا، ليسوتو، ميانمار، لاوس، وغيرها. وقد أعرب الاتحاد الأوروبى عن غضبه من جراء الزيادة التى طالت الواردات منه، وبلغت 20%، فى حين ابتهجت الحكومة البريطانية بالزيادة التى بلغت 10%، أى الحد الأدني، واعتبرت لندن ذلك انتصارًا لها، يعزز سعيها لإبرام اتفاقية تجارة مع واشنطن.
هناك اعتبار راود كثيرين مفاده أن قرارات ترامب تٌعدبمثابة مسمار فى نعش منظمة التجارة العالمية، بوصفها نظامًا تعاقديًا متعدد الأطراف، دخلت حيز الوجود فى الأول من يناير عام 1995، وحلت محل «الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة» المعروفة باسم «الجات»، والتى عٌقدت فى الأول من أكتوبر عام 1947م بين عدد محدود من الدول بهدف تخفيف قيود التجارة. ويتمثل غرضها الأساسي، مثل الجات، فى ضمان تدفق التجارة على نحو مٌيسر، وحر، ومنضبط اجرائيًا عبر آلية فض المنازعات.ويٌعد إزالة أو التخفيف من التعريفة الجمركية، وغيرها من الإجراءات الحمائية التى تتبعها الدول مثل القيود السلعية، فى مقدمة أولويات منظمة التجارة العالمية. ولكن مع انضمام الصين إلى المنظمة عام 2001، حدث تحد كبير نتيجة إغراق الأسواق الامريكية، وشتى دول العالم، ببضائع صينية منخفضة الأثمان، نافست بشدة الصناعات المحلية فى هذه الدول. ونتذكر أن الرئيس دونالد ترامب فى ولايته الأولى (2016-2020) اتجه إلى فرض رسوم جمركية مرتفعة على بعض الواردات من الصين بهدف حماية العمال، والصناعة المحلية، والحيلولة دون سرقة التكنولوجيا حسبما ذكر فى ذلك الحين.
السؤال: هل تؤدى إجراءات ترامب بالفعل إلى اضعاف العلاقات الدولية متعددة الأطراف، وتعيد صياغة العلاقات سياسيًا واقتصاديًا حول مفهوم العلاقات الدولية الثنائية، التى تقوم على موازين القوة والهيمنة؟
بالتأكيد ما اتخذه ترامب من قرارات سوف يضعف العلاقات الدولية متعددة الأطراف، وقد يؤدى إلى عواقب اقتصادية وخيمة مثل الكساد والبطالة والتوسع فى السياسات الحمائية، وغيرها، ولكن من الإنصاف الإشارة إلى أن العلاقات التى تجمع العديد من الدول فى صيغ تعاونية تراجعت كثيرا فى الفترة الماضية، ولم تعد تشوبها الروح التى رافقتها فى النصف الثانى من القرن العشرين. هناك عدة مظاهر لذلك: أولا: غياب المساءلة والمسئولية على المستوى الكوني، وهو الاتهام الذى وجهته إدارة ترامب ودول أخرى للصين، وكذلك منظمة الصحة العالمية بسبب عدم مشاركة بقية دول العالم معلومات مهمة عن فيروس كوفيد-19 أو ما عرف باسم «كورونا» فى بداية انتشاره، الأمر الذى كان من الممكن أن يحد من تفشى الوباء عالميًا، ويحول دون حدوث خسائر اقتصادية وبشرية واسعة النطاق، لا تزال تداعياتها مستمرة.ثانيا: وهى مسألة ترتبط بالنقطة السابقة، وتتمثل فى ضعف التعاون بين الدول فى مواجهة وباء كوفيد-19الذى تطلب جهودًا دولية مشتركة. مثال على ذلك إيطاليا وأسبانيا رغم أنهما عضوتان فى الاتحاد الأوروبي، إلا أنهما واجهتا الأزمة على نحو منفرد. أيضا انطوى توزيع الأمصال على الدول النامية على تمييز، وتسييس فى بعض الأحيان.
ثالثا: تصاعد الروح القومية فى العديد من الدول التى تحمل مشاعر سلبية ضد الكونية والعلاقات متعددة الأطراف بين الدول، والهجرة وحرية انتقال البشر، وليس فقط حرية تدفق السلع مثل السياسات التى تنتهجها بعض الدول التى تتولى مقاليد السلطة فيها حكومات شعبوية، أو تتمتع فيها التيارات القومية المتشددة بثقل سياسى مثل فرنسا وهولندا وألمانيا والنمسا غيرها، رابعا: تراجع قدرة المنظومة الدولية متعددة الأطراف على تسوية الأزمات الدولية مثل غزة، والسودان، والحرب الروسية الأوكرانية، وغيرها، فضلا عن ضعف التصدى لأزمات دولية مثل التغيرات المٌناخية، واتساع نطاق الفقر، وتراجع أجندة التنمية المستدامة.
من المتوقع أن تحقق قرارات ترامب الأخيرة بعض الأهداف الجزئية مثل حماية وتنشيط الصناعة الأمريكية، لكنها قد تقود إلى حرب تجارية عالمية، ولا نغفل أن الصين حققت فى السنوات الأخيرة طفرة مهمة فى تكنولوجيا الاتصالات، وصناعة السيارات الكهربائية والتعليم، والقدرة على بناء شراكات دولية مما يجعلها شريكا أساسيا لكثير من دول العالم.
نقلا عن الاهرام