هاني صبري – الخبير القانوني والمحامي بالنقض
شهدت إحدى فقرات عروض السيرك واقعة مأساوية تعرض خلالها عامل يُدعى محمد البسطاويسي، مساعد مدربة الأسود أنوسة كوتة، لهجوم مباغت من نمر مفترس، أدى إلى التهام ذراعه اليسرى خلال العرض أمام الجمهور، وتحول السيرك من وسيلة للترفيه لمسرح جريمة مما أحدث حالة من الذعر والهلع بين الحاضرين .
 
وقد أسفر الحادث عن إصابات بالغة للعامل انتهت ببتر الذراع بعد خضوعه لجراحة دقيقة، ليترك خلفه إصابة دائمة وعاهة مستديمة.
اللافت في الأمر أن النمر استمر في مهاجمة العامل لمدة 45 ثانية، دون أن يتم اللجوء إلى استخدام أي من الوسائل الدفاعية المتعارف عليها للسيطرة على مثل هذه الحالات، كالمسدسات النارية، طلقات الخرطوش، خراطيم المياه، طفايات الحريق، القناص المخدر، أو الشوك المسننة.
 
علمًا بأن إجراءات ترخيص السيرك تفرض على الإدارة وجود عاملين مرخصين لحيازة السلاح، إلى جانب ثلاثة عمال مزودين بـ”شوك” مدببة لردع الحيوانات المفترسة عند الضرورة.
في تقديري ، تفتقر كثير من عروض السيرك لأبسط معايير الأمان والحماية، سواء بالنسبة للعاملين أو الزوار، فضلًا عن الأساليب القاسية التي يتعامل بها البعض مع الحيوانات.
 
ويُفترض بالمدربين أن يكونوا مؤهلين ومدرَّبين بشكل احترافي على كيفية السيطرة على المواقف الطارئة داخل الحلبة، وأن يمتلكوا القدرة على التعامل بثبات وبدون إظهار أي علامات ضعف أمام الحيوانات.
 
للأسف، من المتوقع تكرار هذه الحوادث المؤلمة في ظل استمرار عمل السيرك بالنمط الحالي الذي يفتقر إلى الإجراءات الوقائية اللازمة. وما حادثة نمر سيرك طنطا إلا واحدة من سلسلة حوادث مشابهة، منها واقعة مأساوية قبل شهرين عندما التهم أسد رأس أحد العاملين في حديقة الحيوان بالفيوم، ما أدى إلى وفاته.
أن الحيوانات التي تُستخدم في عروض السيرك ملك المدربين الذين يؤجرون الخيام لإقامة أماكن العروض من وزارة الثقافة المصرية، وهناك 17 سيركاً يمتلكها مدربو الحيوانات الخطرة.، في حين تتولى نقابة الفنانين مسؤولية إصدار التصاريح لمدربي السيرك، وهو ما يطرح تساؤلات جدية عن مدى علاقة النقابة بهذا النشاط، ولماذا تُمنح تلك التصاريح من جهة غير متخصصة في هذا المجال.
 
العديد من دول العالم أوقفت استغلال الحيوانات المفترسة في العروض الترفيهية، حفاظًا على السلامة العامة واحترامًا لحقوق الحيوان. 
 
ويبرز هنا تساؤل جوهري: هل حصل سيرك طنطا على ترخيص رسمي من الهيئة العامة للخدمات البيطرية؟
وفقًا للمادة الثانية من القانون رقم 29 لسنة 2023، يُشترط إصدار ترخيص خاص بحيازة الحيوانات الخطرة من الجهات البيطرية بعد صدور اللائحة التنفيذية، وذلك ضمن إطار إشراف وزارة الثقافة على النشاط باعتباره ترفيهيًا وثقافيًا. 
 
كما تلزم المادة الخامسة من القانون ذاته حائز الحيوان الخطِر بتوفير الرعاية البيطرية، التغذية الملائمة، والتحصينات اللازمة، إلى جانب توثيق التاريخ الطبي للحيوان.
 
وتنص المادة السادسة من القانون على إلزام الحائزين بالإبلاغ الفوري عن أي حالات اشتباه في الإصابة بالأمراض، أو حالات نفوق أو هروب، وذلك إلى السلطات البيطرية المختصة.
 
وتنص المادة الخامسة عشرة على فرض غرامات مالية تتراوح بين عشرة آلاف إلى خمسمائة ألف جنيه.كل من خالف أحكام هذا القانون بحال حيازة أو تداول أو إكثار أي حيوان خطر دون ترخيص، أو مخالفة الضوابط المقررة ..
 
بينما نصّت المادة السابعة عشرة على عقوبات تصل إلى السجن المشدد لمدة لا تقل عن سبع سنوات وغرامات تصل إلى أربعة ملايين جنيه في حال وقوع إصابة بعاهة مستديمة، أو في حال تسبب الحادث بالوفاة.
 
وجدير بالذكر أن للعامل ضحية حادث سيرك طنطا الحق في المطالبة بالتعويض وفقًا لأحكام قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات رقم 148 لسنة 2019، والذي يُحمّل صاحب العمل المسؤولية عن إصابات العمل.
 
لذلك، أطالب الجهات المعنية بحظر استخدام جميع أنواع الحيوانات المفترسة في عروض السيرك داخل مصر، سواء في العروض الثابتة أو المتنقلة، مع منع استيراد أو اقتناء تلك الحيوانات لأغراض ترفيهية، وفرض غرامات رادعة تصل إلى إغلاق المؤسسات المخالفة. حفاطاً على سلامة المواطنين واحترام الحيوان أولويتان لا تحتملان التهاون.