بقلم الراهب القمص يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر
" الناصرة " إسم عبرى معناه " غصن " أو " المحروسة " ، تقع المدينة فوق أول جبال الجليل على ارتفاع ٣٥٠-٤١٥ متراً فوق سطح البحر من الجليل الأسفل ، وتبعد نحو 27 كيلومتراً عن بحيرة طبرية من الغرب ، وحوالى 150 كيلومتراً إلى الشمال من أورشليم . وعلى بعد نحو عشرة أميال إلى الشمال من سهل إسدرالون ( مرج بن عامر ) على التلال الجيرية في الطرف الجنوبي لجبال لبنان ، مما يجعلها معتدلة المناخ ، تجود حولها زراعة البساتين، وكانت تمر بالقرب منها الطرق التجارية ، ولكن القرية نفسها لم تكن على طريق.
فيها كانت البشارة بميلاده العجيب ( اي تجسده من اجل خلاص جنس البشر ) الذى تم فى بيت لحم وبعد الهرب الى مصر والعودة منها اتى وسكن فى ناصرة الجليل. بين روبعها عاش صباه وشبابه وتقدست ارضها بخطوات قدميه وبعمل يديه وبصلواته الدائمة من اجل خلاص العالم هى الناصرة التى قال عنها نثنائيل "أمن الناصرة يمكن ان يكون شيء صالح؟" وهو لا يعلم ان الصالح اتى وسكن فيهاو به صار الخلاص والصلاح ، من اجل هذا قال له فيلبس تعال وانظر. بحسب انجيل القديس يوحنا" 45- 46 فيلبس وجد نثنائيل و قال له وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس و الانبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة. فقال له نثنائيل امن الناصرة يمكن ان يكون شيء صالح قال له فيلبس تعال و انظر." وكانت الناصرة فى أيام الحكم الرومانى وفى فترة حياة السيد المسيح
ومن العجيب ان مدينة الناصرة لم تذكر مطلقاً في العهد القديم ، ولا في التلمود ، ولا فى الأسفار الأبوكريفية ، ولا في كتابات يوسيفوس المؤرخ اليهودى، وقد دخلت الناصرة التاريخ مع أحداث حياة يسوع ولم تذكر بتاتا في العهد القديم
الناصرة فى العهد الجديد :
- القديس يوسف النجار والسيدة العذراء ، كانا من الناصرة وسكنا فيها ( لوقا 2 : 39 ) .
- فى الناصرة ظهر ملاك الرب للعذراء ليبشرها بأنها ستكون أُما لمخلص العالم ( لوقا 1 : 26) .
- رجعت العائلة المقدسة من أرض مصر وسكنت فى الناصرة ( متى 2 : 23 ) .
- فى الناصرة قضى السيد المسيح القسم الأكبر من حياته على الأرض ( مرقس 1 : 9 ) .
- السيد المسيح دُعى بـ " يسوع الناصرى " نسبة إلى الناصرة ( متى 2 : 23 ، ومتى 21 : 11 ، مرقس 1 : 24 ) .
ولكن للأسف أهل الناصرة رفضوا السيد المسيح مرتين ( متى 4 : 13 ، لوقا 4 : 28 ، يوحنا 4 : 43 ) .
لوقا ١: ٢٦ أرسل الله الملاك جبرائيل إلى مدينة في الجليل اسمها الناصرة ليبشر مريم بالحبل بيسوع. ووقعت ولادته بحسب لوقا في بيت لحم. وبعد الهرب إلى مصر بسبب اضطهاد هيرودس ( متى ٢: ٥٢ ) عادت العائلة المقدسة إلى فلسطين واستقرت في الناصرة . هنا نمـا يسوع ( لو ٢: ٢٣ ) بالحكمة والقامة والحظوة عند الله والناس . وقضى يسوع في البلدة فترة شبابه إلى أن بدأ حياته العلنية " فترك الناصرة وجاء كفرناحوم على شاطئ البحر" ( متى ٤: ١٣ ) في الجليل . وقد عاد مرتين إلى موطنه مرة مستخدما كلمات أشعيا معلنا عن الرسالة التي جاء يبلغها في المجمع. وفي زيارته الثانية لم يستقبله أبناء بلدته بل لما رفض القيام بالعجائب " ثار ثائر جميع الذين في المجمع فقاموا ودفعوه إلى خارج المدينة وساقوه إلى حرف الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه ليلقوه عنه ولكنه مرّ من بينهم ومضى " ليكمل رسالته في مكان آخر.
كان للثورتين اليهوديتين أثرهما على الجليل ولكن ليس في الناصرة التي نجت من الدمار الذي حمله فاسباسيانو ( ٦٦ ) أمّا أدريانوس فقد دمرها عام ١٣٥ . وعاشت بين الجماعة اليهودية الباقية أقلية صغيرة من المؤمنين بيسوع الناصري . من بين هذه الجماعة كان يهوذا تاديوس رئيس الجماعة التي دعيت " ناصريين " . وقد ساعدت الآثار التي عثر عليها تحت كنيسة الناصرة على معرفة الكثير عن هذه الأقلية المسيحية.
٤٢٧م. كان واضحا أن هذه الجماعة قد اجتمعت حول المكان الذي قضى فيه يسوع فترة طفولته وصباه وهكذا تحول بيت مريم تدريجيا إلى كنيسة . حوالي منتصف القرن الخامس ، استبدلت بكنيسة بيزنطية وضمت المغارة لتصنع منها جزءا تبلغ إليه عبر سلم .
زيارة المدينة:
الناصرة هي أكبر المدن العربية في الجليل وأهمها. وتقوم الكازانوفا وهو نزل للحجاج، مقابل الكنيسة وفي مركز المدينة يقوم السوق بشوارعه وحوانيته وأزقته الضيقة.
كنيسة البشارة للاتين :
كشفت الأبحاث الأثرية عن الكنيسة الصليبية وأبرزت أرضية الكنيسة البيزنطية . عثر تحت الفسيفساء على حجارة مصنوعة تعود لبناء ديني سابق يشابه أسلوب المجامع اليهودية للقرنين الثاني والثالث.
و خلال الحفريات التى قام بها فريق من علماء الآثار سنة 1955 م ، تم إكتشاف بقايا الكنيسة القديمة الأولى ، وقرر العلماء إنها ترجع إلى القرن الثانى الميلادى ، وقد بُنيت قرب المغارة المقدسة التى كانت جزءاً من بيت السيدة العذراء والقديس يوسف ، حيث سكنا عقب عودتهما من أرض مصر . وحسب التقليد المسلم أن فى هذا المكان بشرً الملاك جبرائيل العذراء مريم بالحبُل البتولى ، بالسيد المسيح . وفى القرن الخامس ( تقريبا سنة 427 م ) ، حَلًّتْ كنيسة ذات الطراز البيزنطى محل الكنيسة الأولى ، ولكن هدمها الفرس سنة 614 م ، وأعاد بناءها الصليبيون فى بداية القرن الثانى عشر ، فدكّ بناؤها الملك بيبرس سنة 1263 م .
حصل الآباء الفرنسيسكان على ملكية المكان سنة 1620 م ، فشيدوا كنيسة صغيرة سنة 1730 م ، وبقيت هذه الكنيسة حتى سنة 1955 م ، حينما هُدمت لأجل بناء الكنيسة الموجودة حالياً ، ذات القبة المخروطية . هذه الكنيسة أنتهى من بنائها سنة 1969 م ، وعمل تصميمها المهندس البروفيسور Giovanni Muzio من إيطاليا . وللكنيسة طابقين : فالطابق السفلى يتبع آثار أساسات الكنيسة الصليبية وفى الوسط مغارة البشارة التى ينفتح السقف أمامها كالعين لتبصر النور ، وهى تحت قبة الكنيسة العليا .
مداخل الكنيسة من الجانبين الجنوبى والغربى ، وفى الواجهة الغربية يوجد مشاهد محفورة لها صلة بالتجسد مستلهمة من العهدين القديم والجديد . القبة المخروطية التى تشتهر بها كنيسة البشارة ، تظهر من الداخل مثل كأس زهرة الزنبق ولونها الأبيض الذى يشير إلى الطهارة والبتولية . فى قمة القبة ما يشبه عدسة ضوئية ذات الأضلاع الثمانية . ينزل منها نور النهار ليضئ صحن الكنيسة " كان النور الحقيقى الذى يُنير كلّ إنسانِ آتياً إلى العالم " ( يوحنا 1 : 9 ) . كما ينعكس النور على القضبان الحديدية لأوراق الزهرة التى فيها الحرف " M " يتكرر 32 مرة ، وبحسب تأمل أحد الأباء الفرنسيسكان ، إنها ترمز إلى سُبل الحكمة الإلهية الـ 32 فى الحرف " M " الذى هو أول حرف لكل من Maria & Messiahs أى المسيا و ماريا .
زيارة الكنيسة:
بنيت الكنيسة الحالية عام ٦٠-١٩٦٩ من الإسمنت المسلح وغطيت من الخارج بالحجارة . تحمل الواجهة الرئيسية تمثالا برونزيا للمسيح الفادي وتحته نجد مشهد البشارة والإنجيليين الأربعة . الواجهة الجنوبية مكرسة لمريم الفتاة وتحمل الكتابة " السلام عليك يا سلطانة " . وإلى اليسار يمكن مشاهدة جزء من الحائط الصليبي. يشاهد الداخل كنيستين إحداهما فوق الأخرى . السفلى مبنية على شكل مغارة ترتكز كلها حول المغارة التي هي مسكن العائلة المقدسة . أما الكنيسة العليا فهي مكرسة لتكريم مريم العذراء أم الله المتجسد.
الكنيسة السفلى
الهيكل الرئيسي مكرس للتجسد. والعمدان عبارة عن عناصر هندسية من الحقب السابقة.
كانت المغارة تستخدم للسكن منذ العصر الحديدي وحتى الحقبة الرومانية . شكلها الحالي يعود للعصر الصليبي حيث تم تعديلها لتصبح جزءا من الكنيسة الكبرى . أما الدرج فهو من صنع الآباء الفرنسيسكان بنوه لتسهيل النزول إلى المغارة والخروج منها . والهيكل أيضا من صنعهم ويعود لعام ١٦٠٠ وعليه الكتابة القائلة : " هنا الكلمة صار جسدا " .
الكنيسة العليا
الفسيفساء الرئيسي في صدر الكنيسة من وحي اللاهوت الفرنسيسكاني ويمثل صورة مريم وسيطة النعمة وإعلان المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني بأن مريم هي أم الكنيسة " الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية " . وفي وسط اللوحة يقوم المسيح مؤسس الكنيسة وقربه القديس بطرس والعذراء المكللة تحيط بهم جماعة الكنيسة التي تسير نحو المسيح.
كنيسة القديس يوسف :
وتسمى أيضاً " كنيسة العائلة المقدسة " . تقع هذه الكنيسة إلى شمالى كنيسة البشارة ، وبين الإثنين يوجد دير الفرنسيسكان الضخم ( بُنى سنة 1930 م ) مع المدرسة بجواره . المبنى الأول يرجع إلى القرن السادس الميلادى ، والذى شيَّد فوق المغارة التى يُخبرنا التقليد أنها كانت بمثابة ورشة النجارة ( أو مَحلِ ) للقديس يوسف ، حيث كان الطفل يسوع يساعده أيضاً فى عمله فيها .
فى سنة 1911 م شُيَّدت الكنيسة الحالية على الطراز الصليبى بالقرب من بقايا الكنيسة البيزنيطية ، التى يمكن حتى وقتنا هذا أن نشاهدها بالمغارة ، والكنيسة حالياً ملك الآباء الفرنسيسكان . ومن المعروف أن القديس يوسف كان يعمل فى مهنة النجارة ، حيث ورد فى إنجيل متى على لسان بعض اليهود قائلين : " من أين لهذا هذه الحكمة والقوات ؟ أليس هذا إبن النجار " (متى 13 : 54 : 55 ).
كنيسة الملاك جبرائيل :
هى ملك لطائفة الروم الأرثوذكس ، ويُطلقون عليها أيضاً إسم " كنيسة البشارة للروم الأرثوذكس " . وهى تقع بالقرب من الطريق الرئيسية التى تؤدى إلى طبرية . هذه الكنيسة شيدت سنة 1750 م على أنقاض ثلاث كنائس متوالية قديمة ، الكنيسة الأولى تعودإلى فترة الحملات الصليبية ، وبقاياها يمكن مشاهدته بداخل كهف ، حيث يوجد بئر ماء يُسمى " بئر العذراء مريم " ولدى الكنيسة اليونانية تقليد يقول أن الملاك جبرائيل ظهر للعذراء مريم وبشرها بالحبل الإلهى عندما كانت تستقى ماء من تلك البئر ، لكن لا يوجد سند حقيقى يدعم صحة هذا التقليد .
كنيسة البشارة القبطية بالناصرة :
بدأ التفكير فى بناء كنيسه بالناصره فى سنه 1936 عندما زار الأنبا ثاوفيلس المدينة ورغب في إقامه كنيسه للأقباط فيها ، حيث كان الاقباط يصلون فى كنيسة قبطية على أسم الشهيد العظيم مارجرجس بشارع ملوك فى مدينة حيفا وفيها كاهن قبطى قبل عام 1948 م ، وقد تهدمت هذه الكنيسة اثناء قيام دولة اسرائيل .
ولما خلفه الأنبا ياكوبوس اشترى قطعه أرض بالناصرة وبنى عليها كنيسه البشاره القبطيه ، على ان تكون الكنيسة مبنية حسب الطقس القبطيي فى كل شيئ حتي المنارات التي يعلوها الصلبان القبطية ، وتم وضع حجر الأساس فى السنة 1949 فى عهد الأنبا ياكوبوس وبنيت من الحجر الصخرى اليابس بمساحة كبيرة أخذا بالحسبان المستقبل ، وكان يجلس نيافته طول النهار يشجع البنائين ثم يعطيهم اجرهم فى نهاية اليوم حتى كملت بهذة الصورة الجميلة ، وفى سنة 1951 حضر المتنيح المطران الأنبا ياكوبوس مع وفد من الكهنة إلى الناصرة وتم تدشين الكنيسة وكرس لها كاهن يقوم بالخدمة ويقيم بها بشكل دائم ، ويوجد طائفة كبيرة تَعُد اليوم أكثر من 1000 نفس ،
وقام نيافة الانبا ياكوبوس فى سنة 1954 تم شراء الأرض المحاذية لكنيسة من الناحية الجنوبية من أحد المواطنين المسلمين وهى بمساحة تزيد عن 2 دونم .
كما قام نيافة الانبا ياكويوس أيضا بشراء قطعة أرض مساحتها 6 دونم فى منطقة الناصرة العليا لغاية استعمالها كمدفن للطائفة ولكن السلطات صادرتها كاملاك غائبين حيث انه اشتراها بوكالة دولية ولم تكن سجلت بعد وأثناء إنشاء الناصرة العليا فى أواخر الخمسينات وما زالت الكنيسة تطالب بها إلى يومنا هذا أو بتعويضنا أرض بديلة عنها فى منطقة أخرى . ولم تقبل الكنيسة تعويض مالى عنها ، وهذة الارض تقوم عليها الان المحكمة المركزية وبعض المبانى الحكومية .
بعد ذلك قام نيافة الانبا باسيليوس الرابع مطران القدس الراحل بشراء قطعة أرض وهى قسم من مدفن طائفة المارونية وكانت فارغة وتم تسويرها وهى الآن مدفن للطائفة القبطيه .
فى سنة 1992 م قام نيافة الانبا ابرهام بشراء بيت محاذى للكنيسة من الناحية الغربية والبيت بمساحة 130 متر مربع ، وتم ترميم البيت وتجهيزه وفتحه روضة أطفال تابعة للكنيسة على اسم روضة مار مرقص للأقباط الأرثوذكس وهى الآن تعمل وتكبر وزاخرة بالأطفال والمعلمات المؤهلات وتحمل اسم محترم فى الناصرة
وفى عام 1993 م تم الحصول على رخصة من البلدية بعد دفع (ثلاث ارباع مليون شيكل ) لبناء حواصل ومكاتب وذلك فى عهد نيافة الانبا ابرهام مطران القدس الحالى ، وتم تعميرها بعلو ستة أدوار ودورين تحت الأرض كمواقف للسيارات ، وهذا البناء على شكل حرف (L) وامامه ساحه كبيره بها نافورة مياه والهدف من ذالك المبنى عمل مركز تجارى ضخم ومكاتب من أجل ايجاد مصدر دخل ثابت للكنيسة من أجل ادارة شئونها.
مع قطعة أرض حوله بمساحة نصف دونم يستخدم فى الصيف كنادى للاجيال الصغيرة والشباب، كما تم تعمير الأرض بثلاثة أدوار ، فى الطابق الارضى يستخدم لانشطة مدارس الاحد والشباب كنادى قبطى وبه دورات مياة ومطبخ وغرفة للحارس ، و فى الطابق الثانى به صالة كبيرة للإستقبال فى المناسبات المختلفة وغرفة لسكن الكاهن ومطبخ ودورات مياة وخلفة سطح الروضة الذى تم تدعيمة بسياج حديدى كامتداد لهذا الطابق ، واما الطابق الثالث يحتوى على شقه من غرفة نوم وصالة وحمام ومطبخ وبجوارها شقة سكن للاساقفة الضيوف والمطران وصالون كبير معد للاستقبالات ومكتبة كبيرة .
وتعمل الكنيسة للشباب والشابات والجيل الصغير الاجتماعات الروحية من أجل دعم الروابط مع الكنيسة وتجنيب هذا الجيل من سلبيات المجتمع وتقوية مدرسة الأحد للأجيال الصغيرة، يقام بها كل أحد القداس الالهى وفصول التربية الكنسية وأيضاً تقام الصلوات فى الأعياد والمناسبات الدينية .