القمص يوحنا نصيف
يتساءل البعض: كيف حدّدت الكنيسة موعد الاحتفال بعيد القيامة؟! ومتى يأتي العيد في نفس اليوم عند كلّ الكنائس؟ ولماذا تختلف أحيانًا مواعيد الاحتفال بين الشرق والغرب؟!
يسعدني أن أقدّم إجابات بسيطة ومركّزة عن هذا الموضوع:
+ تحديد موعد عيد القيامة، له حساب فَلَكي، معروف بحساب "الإبقطي EPACTE”، وهي كلمة معناها: "عُمر القمر في بداية شهر توت القبطي من كلّ عام".
+ تمّ وضع هذا الحساب في القرن الثالث الميلادي، بواسطة الفلكي المصري "بطليموس الفرماوي" (من بلدة الفرما بين بورسعيد والعريش) في عهد البابا ديمتريوس الكرّام (البطريرك القبطي رقم 12 بين عاميّ 189م - 232م).
+ هذا الحساب يُحدِّد موعد الاحتفال بعيد القيامة المسيحي بحيث يكون موحَّدًا في جميع أنحاء العالم. وقد وافق على العمل به جميع أساقفة روما وأنطاكية وأورشليم في ذلك الوقت. ولمّا عُقد مجمع نيقية عام325م أقرّ هذا الترتيب، والتزمت به جميع الكنائس المسيحيّة.
+ هذا الحساب يُراعِي أن يكون الاحتفال بعيد القيامة موافقًا للشروط التالية:
1- أن يكون يوم أحد.. لأنّ قيامة الرب يسوع كانت فِعلاً يوم الأحد.
2- أن يأتي بعد الاعتدال الربيعي.. الذي هو 21 مارس.
3- أن يكون بعد فصح اليهود.. لأنّ قيامة المسيح جاءت بعد الفصح اليهودي.
وحيث أنّ الفصح يكون في يوم 14 من الشهر العبري الأول من السنة العبريّة (القمريّة).. فلابد أن يأتي الاحتفال بعيد القيامة (بعد اكتمال القمر) في النصف الثاني من الشهر العبري القمري.
كما أنّ الفصح اليهودي مرتبط بالحصاد، عملاً بقول الرب لموسى (لا4:23-12)، والحصاد عند اليهود دائمًا يقع بين شهرَي أبريل ومايو (وهي شهور شمسيّة).. لذلك كان المطلوب تأليف دورة، تَعتَمِد على مزيج من التقويم الشمسي والتقويم القمري، لتحديد موعد الاحتفال بعيد القيامة. هذا هو حساب الإبقطي الذي هو عبارة عن دورة تتكوَّن من تسعة عشر عامًا، وتتكرَّر.
+ استمرّ موعِد الاحتفال بعيد القيامة موحَّدًا عند جميع الطوائف المسيحيّة في العالم، طِبقًا لهذا الحساب القبطي، حتى عام 1582م، وهو توقيت التعديل الغريغوري للتقويم.
+ هذا التعديل تمّ في زمان غريغوريوس بابا روما، فدُعِيَ باسمه. إذ مع تَقَدُّم العلم تمّ اكتشاف أنّ طول السنة بحسب التقويم المعمول به في العالم (اليولياني ويساويه القبطي) أقصر من المحسوب (الذي هو 365 يومًا وستّ ساعات)؛ بمعنى أنّ الأرض تُكمِل دورتها حول الشمس في مدّة زمنيّة أقصر قليلاً، وبالتحديد 365 وخمس ساعات و48 دقيقة و46 ثانية. أي أنّ الفارق بين التقويمين الذي يتراكم كلّ سنة هو 11 دقيقة و14 ثانية، وقد صار الآن الفارق بينهما حوالي 13 يومًا وثماني ساعات، ومستمرّ في الزيادة.
+ معنى هذا أنّ الاعتدال الربيعي، الذي يقع فِعلِيًّا في 21 مارس، قد صار بالخطأ (بحسب التقويم القديم غير المُعَدَّل) يقع في 3 أبريل.
+ من هنا جاء الفارق بين موعد الاحتفال بعيد القيامة بين الشرق والغرب، مع أنّ الاثنين يستخدمان نفس حِساب الإبَقطي؛ إذ أنّ الشرقيّون يَستَخدِمون الحساب مع التقويم القديم (اليولياني والقبطي)، والغربيّون يستخدمونه مع التقويم المُعدَّل (الغريغوري). لذلك نجد أنّ الاحتفال يأتي أحيانًا في نفس اليوم، وأحيانًا أخرى يأتي الاحتفال عند الشرقيّين متأخِّرًا عن الغربيّين.
+ سيظلّ هذا الوضع غير المُرِيح قائمًا، إلى أن يتمّ ضبط التقاويم القديمة (القبطي واليولياني)، وعندئذٍ ستحتفل جميع الكنائس في يوم واحد باستمرار.
القمص يوحنا نصيف
أبريل 2025م