محرر الأقباط متحدون
لقاء مع الكاهن اليسوعي أحد مُنشطي المجموعة المسكونية "صوت من القدس من أجل العدالة". إزاء الموت والدمار، ومع تزايد أعداد القتلى والجرحى والنازحين والجياع، وُلدت مبادرة أشبه بمركز تفكير مسكوني هدفها الشهادة للدعوة المسيحية في الأرض المقدسة، عبر الترويج النشط لسلام عادل ومساواة بين إسرائيل وفلسطين.
رغم أن حياة المسيحيين في الأرض المقدسة محفوفة بالصعوبات والمعاناة، إلا أن بذور الحضور الفاعل اجتماعياً وكنسياً بدأت تنمو وتفتح الأفق لرجاء جديد. من بين هذه المبادرات، المجموعة الجديدة التي تأسست في القدس وأطلقت على نفسها اسم: "صوت من القدس من أجل العدالة". ومن أبرز أعضاء هذه المجموعة الأب اليسوعي دايفيد نويهاوس، أستاذ في الكتاب المقدس في الإكليريكية التابعة لبطريركية القدس للاتين، والذي سبق أن شغل منصب النائب البطريركي للكاثوليك الناطقين بالعبرية وللمهاجرين. ويروي الأب نويهاوس "نشأت هذه المجموعة بطريقة شبه عفوية، وتضم بشكل أساسي شباباً مسيحيين فلسطينيين، ويقودها اثنان من الشيوخ المحبوبين كثيراً هنا: المطران اللوثري المتقاعد منيب يونان، والبطريرك اللاتيني المتقاعد ميشال صباح. لقد أنشأنا ما يشبه مركز تفكير مسكوني هدفه الشهادة للدعوة المسيحية في الأرض المقدسة من خلال الترويج الفعّال لسلام عادل ومساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين". ويضيف الأب اليسوعي بأسى: "نحن مغمورون بالقلق إزاء ما يجري، من موت ودمار متواصلَين في غزة وشمال الضفة الغربية. هناك عدد هائل من القتلى والجرحى، والنازحين والجائعين. نتمنى أن نسمع كنائسنا تصرخ بأعلى صوتها ضد هذه الجرائم. وسنفعل نحن ذلك، من أجل شعبنا، ومن أجل إيقاظ قادتنا والمجتمع الدولي، والأهم من ذلك، لكي نكون صدى للنداءات اليائسة التي يطلقها البابا فرنسيس".
تابع الأب نويهاوس مجيبًا على السؤال حول ما تريد هذه المجموعة أن تقوله في أول وثيقة لها والتي تحمل عنوان "من الأعماق صرختُ إليك"، كما في مطلع المزمور ١٣٠ وقال في ذلك الاستهلال يتجلّى كل ما نرغب في التعبير عنه. نحن نعيش زمناً من أزمة عميقة. نكتب إليكم جميعاً لأننا نؤمن أن إيماننا قادر على إنارة الأزمنة الحالكة" إنها عبارة مستوحاة من تعليق القس مارتن لوثر كينغ، المدافع عن الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، في تعليق له على مثل السامري الصالح. إنَّ الكاهن واللاوي قد مرّا بجانب الرجل الجريح بدون أن يقدّما له المساعدة لأن الخوف تملّكهما. سألا نفسيهما: "ماذا سيحدث لي إن توقفت؟"، بينما السامري سأل نفسه: "ماذا سيحدث لذلك الإنسان إن لم أتوقف؟".
أضاف الأب نويهاوس مجيبًا على السؤال حول إلى من يوجّهون هذه الوثيقة وقال نحن نوجّهها إلى ثلاث فئات. أولاً، إلى أخواتنا وإخوتنا الفلسطينيين في الأماكن الأكثر تضرراً من العنف، ونقول لهم: "لن نميل عنكم ونمضي، ولن ننساكم، بل نحن متضامنون معكم، ونحملكم في صلواتنا، ونبكي معكم. ونحاول أن نوصل صوت بكائكم إلى عالم يجب أن يهتزّ من سباته وتواطئه". ثم نوجّهها إلى جميع الذين يلوذون الصمت في العالم. نحن نتفهّم خوفهم، وربما يعتقدون في قرارة أنفسهم أن أحداً آخر سيتوقف على الطريق ليساعد بدلاً عنهم. لكن الحقيقة أن لا أحد يتوقّف. ومؤخراً صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه سيعلن قريباً عن "مستقبل مستقر" لأرضنا. نحن نخشى أن تكون عملية ضمّ الأراضي الفلسطينية من قِبل إسرائيل وشيكة. ولذلك فالآن هو الوقت المناسب لكي نُصرَّ على أن للفلسطينيين الحق في العيش في أرضهم، وننضمَّ إلى جميع الذين يسعون في العالم إلى مستقبل يسوده السلام والمساواة والعدالة لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين. وأخيراً، نوجّه رسالتنا إلى الذين يعتقدون بأن مشيئة الله تقضي بأن يُمحى الفلسطينيون من الخرائط، وتُضم أراضيهم إلى إسرائيل. نقول لهم: "لقد ضللتم الطريق. فكلنا، فلسطينيين وإسرائيليين، خُلقنا على صورة الله ومثاله، متساوين في الكرامة والحقوق. إلهنا هو إله المحبة، يرفض العنف، ويحبّ جميع أولاده بدون تمييز. "أحبب قريبك كنفسك": الفلسطينيون اليوم هم هؤلاء "القرَباء". وطردهم لا يُعدّ فقط جريمة، بل تجديفًا على الله".
وخلص الأب نويهاوس مجيبًا على السؤال حول إن كان يعتقد أن هذا الرعب يمكنه أن ينتهي قريبًا وقال أجيبك بصراحة: على الصعيد الشخصي، لا أرى آمالاً كثيرة تلوح في الأفق. لكننا، كمجموعة، نؤمن إيمانًا راسخًا بالرجاء المسيحي. ونحن على مشارف عيد القيامة، نصلّي لكي يشرق على هذه الإنسانية التائهة في الظلمة النور الذي "فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس. والنور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه".