الأب رفيق جريش
حتى آخر القرن التاسع عشر كانت أوروبا توجه اهتمامها الأكثر نحو الشرق الأوسط والأدنى وإفريقيا وكان ذلك طبيعيًا، إذ كانت تستعمر دولا كثيرة فى تلك المنطقة من العالم إلى أن جاءت الحربان العالميتان، الأولى والتى تمت الاستعانة بالولايات المتحدة الأمريكية فى ذلك الوقت لقهر العدو الألمانى وبدأ رويدًا رويدًا تشابك المصالح الأورو- أمريكية الاقتصادية والسياسية والعسكرية إلى أن جاءت الحرب العالمية الثانية التى استجدى فيها تشرشل رئيس وزراء بريطانيا الرئيس فرانكلين روزفلت الرئيس الـ ٣٢ للولايات المتحدة حتى تدخل أمريكا الحرب ولكنه تمنع حتى وقع الهجوم اليابانى على ميناء بيرل هاربول فى ٧ ديسمبر ١٩٤١ وهنا دخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب بجانب الحلفاء ضد اليابان وبالتالى ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية فكان السبب الرئيسى فى انتصار الحلفاء ومنذ ذلك الوقت أصبحت أوروبا الغربية تتكل اتكالًا كاملًا على الولايات المتحدة الأمريكية.
إذ ساهمت فى إعادة البناء بخطة مارشال نسبة لوزير خارجية الولايات المتحدة جورج مارشال سنة ١٩٤٧ وتم زرع القواعد الأمريكية العسكرية فى كل أوروبا مما أعطاها سلطة وقوة تأثير على القرار على حلفائها، وتأسس عام ١٩٤٩ حلف الناتو العسكرى والمكون من ٣٢ عضوًا من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وتحملت أمريكا العبء المالى والعسكرى الأكبر وتأثرت أوروبا حضاريًا بالحلم الأمريكى فتأمرك الفن والموسيقى وحتى الأعمال والتجارة وبالطبع الدولار كل ذلك بحجة مواجهة الاتحاد السوفيتى والكتلة الشيوعية فى ذلك الوقت ثم امتدت عملياتها العسكرية إلى البلقان وأفغانستان وليبيا وقوّت حضورها فى أوروبا الشرقية.
اليوم يأتى الرئيس الأمريكى الـ ٤٧ دونالد ترامب بعد ٨٠ سنة من الارتباط الوثيق ويقوم بعملية تفكيك هذه الارتباطات فهو صديق حميم لروسيا – بوتين كما يهدد أوروبا بالانسحاب من حلف الناتو إن لم يرفع الأوروبيون نسبة مساهمتهم فى الميزانية العسكرية وينسحب من دعم أوكرانيا فى حربها ضد روسيا ثم فرض على حلفاء الأمس وغيرهم ضرائب جمركية على المنتجات المصدرة للولايات المتحدة الأمريكية لتهتز عروش البورصات فى العالم منها العروش الاقتصادية العملاقة والصغيرة على حد سواء فى أوروبا.
زيارة الرئيس الفرنسى لمصر ليست بعيدة عن هذا الإطار فكأن فرنسا وأوروبا تفتش فى دفاترها القديمة وتضبط بوصلتها نحو حدائقها الخلفية فى الشرق والجنوب وهى بلاد الشرق الأوسط والأدنى وإفريقيا فها هى فرنسا تسرع الأسبوع الماضى بمصالحة الجزائر والتهدئة مع الدول الإفريقية، كما تدرس أوروبا وعلى رأسها ألمانيا زعيمة أوروبا القوية بسحب أو مقاطعة البضائع الأمريكية مما ينذر بحرب عالمية تجارية لن يدفع ثمنها إلا الفقراء والمرضى والمهمشون.
نحن لا نعادى أحدًا ولكن حان الوقت أن نهتم بمصالحنا العُليا مما يحقق لنا استقلالية القرار وفى نفس الوقت نحن منفتحون للشراكة مع من يقبلنا فأوروبا بالنسبة لنا هى حديقتنا الأمامية وإن اردنا أو أبينا هى سبب خروجنا بدءًا من القرن ١٨ وتحديدًا مع الحملة الفرنسية واكتشاف مصر وحضارة مصر وآثار مصر ومن بعده حكم محمد على باشا وانتقالنا من زمن الجهل الذى فرضه علينا الاحتلال العثمانى إلى زمن الأنوار وعصرنة مصر واليوم مع طى صفحة الاحتلال نستكمل معًا الشراكة والصداقة والبعد الحضارى.
نقلا عن المصرى اليوم