محرر الأقباط متحدون
منذ انطلاق مشروع سد النهضة الإثيوبي قبل أكثر من عقد، لم تتوقف التساؤلات حول تداعياته الإقليمية علي مصر بوصفها دولة المصب الرئيسية. وبين من يراه “مشروع القرن” الذي سيحقق التنمية لإثيوبيا، ومن يصفه بـ”الخطر الوجودي” على حصة مصر من مياه النيل، تباينت المواقف وتحولت المياه إلى ساحة جدل سياسي وفني معقد.
ومؤخرًا، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تُصوّر سد النهضة وكأنه تحول إلى مجرد “خزان احتياطي” لصالح مصر، وأنه فشل فنيًا في التشغيل، ما دفع كثيرين إلى التساؤل: هل أصبح السد نعمة غير متوقعة لمصر، أم لا تزال مخاطره قائمة؟
يتفق عدد من المتخصصين في المياه والطاقة على أن تراكم الطمي في بحيرة السد يُعد من التحديات التشغيلية البارزة، خاصة خلال موسم الفيضان، حيث تكون المياه محملة بكميات كبيرة من الشوائب. هذا الوضع قد يؤدي إلى تقليل كفاءة التوربينات، وربما إيقاف تشغيلها مؤقتًا إذا لم تُجرَ صيانة دورية دقيقة.
كما أن إثيوبيا لا تزال تعاني من عدم اكتمال البنية التحتية لشبكة نقل الكهرباء، ما يحدّ من القدرة على توزيع الطاقة المولدة من السد، حتى مع بدء تشغيل بعض التوربينات. هذا الخلل يؤثر بشكل مباشر على تحقيق العوائد الاقتصادية المأمولة من المشروع.
لكن الزعم بأن سد النهضة يخدم مصر بشكل غير مباشر، أو أنه بات مخزناً احتياطيًا للمياه لصالح السد العالي، هو مبالغة كبيرة. فالحقيقة أن التحكم الكامل في تخزين وتشغيل المياه لا يزال بيد إثيوبيا، ما يعني أن دول المصب لا تملك ضمانات كافية بشأن الحصص السنوية، خاصة في ظل غياب اتفاق قانوني ملزم حتى الآن.
وحتي الآن لم ترد تقارير رسمية أو فنية توثق فشلًا تامًا في اختبارات التشغيل كما تروج بعض المنشورات علي مواقع التواصل، ما يحدث هو تحديات متوقعة في بداية تشغيل مشروع بهذا الحجم، خاصة في ظل غياب التمويل الخارجي والإشراف الدولي.
تخلص من هذا إلي أن سد النهضة لا يمكن تصنيفه حاليًا على أنه “فشل ذريع” أو “نجاح مبهر”. ما بين التعثر الفني، والطموحات السياسية، والتأثير البيئي، لا تزال الصورة الكاملة قيد التشكّل.
ما هو مؤكد أن السد يواجه تحديات كبيرة، خاصة في التشغيل الفعلي ونقل الكهرباء، لكنه أيضًا لم يتحول إلى نعمة مباشرة لمصر كما يشاع.
الواقع يُحتّم تعزيز الحوار الفني والدبلوماسي بين الأطراف الثلاثة (مصر، السودان، إثيوبيا)، والتوصل إلى اتفاق قانوني شامل وعادل يحفظ حقوق الجميع ويمنع استخدام المياه كورقة ضغط جيوسياسية.
وفي انتظار ذلك، تظل الإجابة على سؤال: “هل هو نعمة أم نقمة علي مصر”؟… رهن بما ستفعله السياسة، لا الهندسة فقط