بقلم الراهب القمص يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر
يدعى السيد المسيح - حكمة الله- بهاء مجد الآب، لأنه إن كان الله نورًا، فلا يمكن أن يوجد نور بدون بهاء، ولا بهاء بدون النور. وليس من زمنٍ يفصل بين النور والبهاء. لهذا وإن كان حكمة الله هو واحد مع الآب في ذات جوهره، ويدعو نفسه: "أنا هو نور العالم"، لكنه يُدعى أيضًا "بهاء النور". يشرق على النفوس، فتتلامس مع النور وتتعرف عليه. "الابن الذي في حضن الآب هو خبٌر". إنه كلمة الآب، يحدثنا لا خلال مقاطع كلمات بل بإشراق الحكمة علينا.
يقول القديس كيرلس الكبير: كثيرًا ما أشار الكتاب المقدس إلى السيد المسيح بكونه النور الإلهي أو نور الآب (مز 6:4؛ 11:97؛ 15:89؛ 4:112؛ إش 1:60، 6:42، 5:2؛ يو 35:12-36؛ 1 يو 9:2-10(.
القدِّيس أثناسيوس الرسولي يتحدث قائلاً: [ربنا يسوع المسيح هو النور الحقيقي، الذي هو عوض العصا صولجاننا، وعوض الفطير هو الخبز النازل من السماء أف 6: 15، وباختصار يقودنا الرب بهذه جميعها إلى أبيه[
يقول القديس غريغوريوس النيسي: ومن هنا ترك نثنائيل شجرة التين التي أخفى ظلها النور، وتمسك بالواحد الذي لعن شجرة التين الغير مثمرة فجفت أوراقها. وشهد كلمة اللّه أن نثنائيل كان إسرائيليًا حقًا لا غش فيه، فلقد أظهر نفسه نقيًا مثل أبينا إبراهيم تك 27:25. قال المسيح: "هوذا إسرائيلي حقًا لا غش فيه".
لأن هذا النور الذي للشمس المنظورة ينير حتى لأتفه الحيوانات وأصغرها. إذن فالبرّ والحكمة هما النور الحقيقي الذي يتوقف العقل عن أن يراها عندما يسوده ارتباك الغضب كما بسحابة. كما لو أن الشمس نزلت على غضب الإنسان. هكذا أيضًا في هذه السفينة حين يكون المسيح غائبًا، يهتز كل واحد بعواصفه وشروره وشهواته الشريرة.
يقول العلاّمة أوريجانوس : هذه هي أبشع صورة لثمر الخطية أن الله مصدر الحياة والنور يتحول بالنسبة للشرير إلى برية قاحلة وأرض ظلامٍ دامسٍ، يهرب من الله كما من مصدر هلاكه! يصير الله بالنسبة له ثقلاً يريد الخلاص منه، كما يتخيله بعض الوجوديين المعاصرين الآن، يحسبونه كابوسًا لابد للإنسان أن يتحرر منه! وقد جاءت العبارة "قد شردنا" في بعض الترجمات "قد صرنا أحرارًا من الله" أو "قد صرنا سادة".
يقول القديس جيروم : فتح دانيال نوافذه على أورشليم ، فهل تحفظ نوافذك مفتوحة فقط تجاه النور لكي يدخل منها وترى الرب؟! لا تفتح تلك النوافذ التي يقول عنها النبي: "الموت يدخل في نوافذنا "
يرى العلامة أريجانوس :]إذا تأملنا في قصة مجيء ربنا يسوع المسيح كما وصفتها الكتب التاريخية، كان مجيئه في الجسد مرة واحدة فقط خلالها أنار العالم كله: "والكلمة صار جسدًا وحل بيننا". كان بالفعل "النور الحقيقي الذي ينير لكل إنسانٍ آتيًا إلى العالم، كان في العالم، وكوّن العالم به، ولم يعرفه العالم. إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله".[
. "اعملوا ما دام النور فيكم". النور موجود فيك، طالما تحمل في داخلك السيد المسيح الذي قال عن نفسه "أنا هو نور العالم". طالما هذا النور موجود فيك اعطِ إذًا مجدًا للرب؛ لكن اعلم ان الظلام يمكن أن يأتي، يجب ألا تنتظر حتى يحل هذا الظلام، بل اعطِ مجدًا للرب قبل مجيئه.
التمتع بالمسيح "نور الرب"، إذ سمع إشعياء النبي: "يا بيت يعقوب هلم نسلك في نور الر ب". إش 5: 20. السيد المسيح الحاّل في كنيسته هو بهاء مجد الآب ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته عب (1: 3)، هو شمس البر والشفاء في أجنحتها ملا( 4: 2). يشرق على كنيسته فتصير هي ذاتها نورًا للعالم، تقدم النور للجالسين في ظلمة الخطية، تُقدم مسيحها لكل أحد.
يقول القديس كيرلس الكبير: كان إشعياء على علم بعمل يوحنا التبشيري، فبينما يُسمي إشعياء المسيح إلهًا وربًا إش 9: 6 يُشير إلى يوحنا بأنه رسول خادم ومصباح يضيئ قبل ظهور النور الحقيقي. هو كوكب الصبح الذي يعلن عن بزوغ الشمس من وراء الأفق، فتبدد أشعتها الساطعة سجف الظلام الحالكة. كان يوحنا صوتًا لا كلمة، يتقدم المسيح، كما يتقدم الصوت الكلمة
. يقول العلامة أوريجانوس: [لا نتردد في القول بأن صلاح المسيح يظهر بطريقة أعظم وبالنور الإلهي... لأنه "وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" في 2: 6-8
ويرى القديس أغسطينوس أن السيد المسيح كنورٍ للعالم يًرمز إليه بالنهار، والتلاميذ كأبناء النهار يًرمز إليهم بالاثني عشر ساعة للنهار. فالمسيح، اليوم أو النور، حال وسط الاثني عشر ساعة. لقد صار يهوذا ظلامًا فأُستبعد من الاثنى عشر ساعة ليحل محله متياس.
الذين يختبرون الحياة الجديدة المُقامة مع المسيح وفيه يعتبرون "أبناء القيامة" لو 20: 36، والذين يحبّون النور الإلهي، ويسعون نحوه فيدعون: "أبناء النور" يو12: 36 و"أبناء النهار" 1 تس 5: 5 الخ.
من يرى النور لا يقدر أن ينظر إخوته سالكين في الظلمة بل يدعوهم إلى النور الذي ينعم به، كما فعلت المرأة السامريّة حيث تركت جرّتها وخرجت إلى مدينتها تقول للناس: "هلمّوا، انظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت، ألعل هذا هو المسيح؟" يو4: 29.
يقول القدّيس جيروم : كما أنه هو النور ويهب تلاميذه أن يدعوا "نور العالم"، كذلك نالوا الأسماء الأخرى من الرب. لقد أعطى لسمعان الذي آمن بالمسيح الصخرة أن يُدعى بطرس "الصخرة".
يقول القديس كيرلّس الكبير: ]وُجد أناس كثيرون حول يسوع... لكن الأعمى شعر بحضرته وتمسَّك به في قلبه هذا الذي لم تستطع عيناه الجسديَّتان أن تراه.] أمّا سرّ شفائه فهو صوت المسيح واهب النور[،
يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: ]صوت المسيح نور للأعمى، لأنه كلمة النور الحقيقي.[
"وأجعلك... نورًا للأمم" ؛ فالمسيح هو النور الإلهي الذي يفتح بصيرتنا الداخلية لنُعاين النور. لهذا يقول المرتل: "بنورك يارب نعاين النور"، ويقـول الإنجـيلي: "النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آت في العالم" يو 1: 9.
"أرسل نورك وحقك، هما يهديانني ويأتيان بيّ إلى جبل قدسك وإلى مساكنك" مز 43: 3.
"النور" و"الحق" هما بالحقيقة اسمان يعبران عن واحد الله). لأنه ما هو النور الإلهي إلاَّ الحق الإلهي؟ والحق الإلهي إلاَّ النور الإلهي؟ واقنوم المسيح هو كلاهما. (
يقول القدّيس أغسطينوس: ]من أجل محبّة هذا النور أريد أن أحثِّكم أيها الأحباء إنه يلزم أن تصرخوا بالأعمال الصالحة عندما يجتاز يسوع، فيسمع صوت إيمانك ويقف يسوع غير المتغيِّر... يفتح أعينكم.[
إن كان الأعمى يحبّ نور الجسد، كم بالأكثر يلزمنا أن نتوق إلى نور النفس؟ لنصرخ إليه لا بكلمات وإنما بالحياة الفاضلة...
الجماهير تنتهر الأعمى لكي لا يصرخ! يوجد مسيحيّون ليسوا بقليلين، هؤلاء يطلبون أن يعوقوننا عن الحياة، وذلك كالجمهور الذي سار مع المسيح وأعاقوا الصارخ للمسيح. كان الأعمى جائعًا للنور من حنوّ المسيح.
يقول يوسابيوس القيصري: الآن نهاية كل الحياة الزائلة، وكما يقول الرسول، تزول هيئة هذا العالم الخارجي ليتبعه عالم جديد؛ وعِوض الكواكب المنظورة يضيء المسيح نفسه بكونه الشمس الخليقة الجديدة وملكها. عظيمة هي قوّة هذه الشمس الجديدة، وعظيم هو بهاؤها، حتى أن الشمس التي تضيء الآن والقمر والكواكب الأخرى تظلم أمام هذا النور العظيم.
القدّيس يوحنا الذهبي الفم: كما أن القمر والنجوم يتضاءلون بسرعة أمام الشمس المشرقة، هكذا أمام ظهور المسيح تظلم الشمس ولا يعطي القمر ضوءه وتتساقط النجوم من السماء، فيُنزع عنها بهاؤها السابق لكي تلبس ثوب النور العظيم.
القدّيس جيروم: تتم هذه الأمور لا بانطفاء النور الحالي، إذ نقرأ أن "نور الشمس يكون سبعة أضعاف" إش 30: 26، لكن بمقارنته بالنور الحقيقي تبدو كل الأشياء مظلمة.