دكتور بول غبريال - راعي الكنيسة الكتابية - شيكاجو 
 
في ليلةٍ هادئة، في علّية متواضعة، جلس ربُّ المجد مع خاصته، أولئك الذين دعاهم من شواطئ الجليل وطرقات أورشليم، صيادين وبسطاء، لا مكانة لهم في بلاط الملوك ولا شهرة في المحافل. 
 
ومع ذلك، كان ما صنعه يسوع في تلك الليلة أعظم من كل عروض الأرض. ففي تلك العلية، تمّ تأسيس عهد جديد – عهد النعمة، عهد المحبة، عهد الخلاص الأبدي.
 
“وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ، أَخَذَ يَسُوعُ خُبْزًا وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا، هذَا هُوَ جَسَدِي! ثُمَّ أَخَذَ كَأْسًا وَشَكَرَ، وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا: اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ، الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا.” (متى 26: 26-28)
 
لم يكن هذا مجرد طقس رمزي، بل كان إعلانًا أبديًا عن محبة الله للبشر، عن عهدٍ لا يقوم على شريعة مكتوبة على ألواح من حجر، بل على دمٍ سُفك لأجل الخطاة. عهدٌ لا يزول، ولا يتقادم.
 
لقد ظنّ العالم حينها أن ما جرى تلك الليلة ليس سوى لقاء بسيط بين معلم وتلاميذه. لكن في نظر السماء، كانت تلك اللحظة بداية خطة الفداء التي أعدّها الله منذ تأسيس العالم. “مَعْلُومًا سَابِقًا قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلَكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ” (1 بطرس 1: 20).
 
لقد وقّع يسوع على هذا العهد لا بالحبر، بل بدمه الطاهر على خشبة الصليب. وبهذا الدم، “قَدْ تَبَرَّرْنَا الآنَ” (رومية 5: 9)، و**“صِرْنَا قَرِيبِينَ بِدَمِ الْمَسِيحِ”** (أفسس 2: 13).
 
منذ تلك اللحظة، لم يعد التاريخ كما كان. تغيّرت حياة أناس لا يُحصَون، تحوّل الضعفاء إلى شهود أقوياء، امتلأت السجون بالمؤمنين، لكن قلوبهم فاضت بالحرية. تحرّرت النفوس، وقام الموتى روحيًا لحياة جديدة.
 
واليوم، بعد ألفَي عام، لا يزال صوت العهد يُنادي:
 
“هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ، إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي.” (رؤيا 3: 20)
 
فهل فتحتَ الباب؟ هل قبلتَ العهد؟
 
إنه ليس فقط وعدًا بالخلاص، بل حياة جديدة، وفرح لا يُنتزع، وسلام يفوق كل عقل.
 
“إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ، فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا!” (2 كورنثوس 5: 17)
 
هذا هو خميس العهد… حيث التقى الحب بالألم، والموت بالحياة، والإنسان بالله.