د. ماجد عزت إسرائيل 

 
 
وهو من "الأعياد السيّدية"، أي تلك المرتبطة مباشرة بأحداث حياة السيد المسيح له المجد.وتُقسّم الأعياد السيّدية إلى نوعين:  أعياد سيّدية كبرى: مثل عيد الميلاد، وعيد الصليب، وعيد القيامة،
 
وعيد الصعود.وأعياد سيّدية صغرى: مثل عيد دخول السيد المسيح إلى الهيكل، وعيد عرس قانا الجليل، وعيد البشارة.أما عيد القيامة، فهو قمة الفرح المسيحي، لأنه يعلن بكل قوة: انتصار الحياة على الموت، والنور على الظلمة، والرجاء على اليأس. ولهذا يُسمّى أيضًا "عيد الأعياد"، لأنه يفتح أمام الإنسان بابًا جديدًا نحو الأبدية والحياة التي لا تزول.
 
 بالصليب، انتهى دهر"اللاخلاص"؛دهر الإنسان القديم، آدم، والخطية، والموت، والأرض بكل شقائها.فقد انكشفت البشرية على حقيقتها: عاجزة عن الخلاص بذاتها، حبيسة لعنة السقوط وفساد الجسد. فيقول معلمنا بولس الرسول: «مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ
 
الْمَوْتُ....»(رو5: 12). «عَالِمِينَ هذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ ...»(رو 6: 6). لكن بالصليب أيضًا، وخصوصًا بالقيامة، ابتدأ دهر "الخلاص الأبدي"؛دهر المسيح القائم من بين الأموات، والإنسان الجديد المولود من فوق، لميراث لا يفنى. فالقيامة لم تكن مجرد حدث، بل بداية لخليقة جديدة، كما يقول الكتاب:"إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ..." (2 كو 5: 17). ".. كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ؟" (رو 6: 4).وهكذا صار الصليب كسيفِ لهيب النار، الذي يحرس طريق الحياة كما حرسه سابقًا في جنة عدن، كما ورد بالكتاب قائلاً:"فَطَرَدَ الإِنْسَانَ، وَأَقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيمَ، وَلَهِيبَ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ لِحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ." (تك 3: 24). فلا دخول إلى الملكوت إلا بعبور حقيقي عبر موت الإنسان العتيق وقيامة الإنسان الجديد.ويجب أن نتذكّر دائمًا أن الموت في المسيح هو الجسر الذهبي المؤدّي إلى الحياة – لا كفناء، بل كعبور نحو المجد، نحو الخليقة الجديدة التي لا يفنيها الزمن ولا يحدّها الجسد. "فَأَقُولُ هذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ اللهِ.." (1 كو 15: 50). لأَنَّهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لَيْسَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئًا وَلاَ الْغُرْلَةُ، بَلِ الْخَلِيقَةُ الْجَدِيدَةُ." (غل 6: 15). بهذا صار الصليب والقيامة معبرًا مقدسًا من الفساد إلى المجد، ومن الخليقة الأولى إلى الولادة الجديدة في المسيح يسوع، الباب المفتوح نحو الحياة الأبدية.
 
  والقيامة هي الباب الجديد الذي افتتح به الرب أزمنة الخلاص، وبهجة الملكوت،وأنار به طريق الخلود. ولكن هذه الأزمنة لا تبدأ بالقيامة وحدها، بل من خلف آلام الصليب؛ففي سرّ الألم والموت، يعتمد الإنسان للمسيح، ليُولد من جديد إلى حياة لا سلطان للموت أو الحزن أو الألم عليها،إلا ما هو لتعميق الخلاص،وكشف الرؤيا،وتسهيل العبور.
 
كما قال بولس الرسول:«مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ، الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. » (كو 2: 12).
 
أما الصليب، فللسائرين في بداية الطريق نحو الملكوت السعيد، يبدو كعبءٍ ثقيل لا مفرّ منه،يصرخون بلهفة: "يا رب، إن أمكن، فلتعبُر هذه الكأس!"كأنهم يريدون أن يلبسوا مسكنهم السماوي على الإنسان العتيق، دون أن يخلعوه أولاً. ولكن للذين استحثّوا المسير وقاربوا النور، فقد صار الصليب أمامهم ليس عقبة بل ضرورة حتمية؛ من أجله ابتدأوا، وعلى أساسه ساروا، وبنعمته وحدها سيُكلَّل عبورهم بقيامة مجيدة. كما يقول الكتاب: "إِنْ كُنَّا نَصْبِرُ فَسَنَمْلِكُ أَيْضًا مَعَهُ. إِنْ كُنَّا نُنْكِرُهُ فَهُوَ أَيْضًا سَيُنْكِرُنَا." (2 تي 2: 12).
 
 أما الذين هبّت عليهم نسمات القيامة من بعيد، واستمعوا لصوت الخلاص يتردد من وراء أسوار الجسد، فقد استيقظت أرواحهم واستعدّت للحدث العظيم. فلهم، يبدو الصليب لا كألم بل كهبة سماوية، باب الخلاص الحقيقي، الذي فتح الطريق من الموت إلى الحياة، ومن الظلمة إلى النور، ومن سلطان الشيطان إلى ملكوت الله، ومن قيود الجسد العتيق إلى حرية مجد أولاد الله.فلقد صار الصليب هو الجسر الإلهي نحو القيامة، كما يقول معلمنا بولس الرسول: «لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ.
 
» (رو 6: 5).فالاتحاد بالمسيح في موته "صرنا" فعلٌ ماضٍ، تمّ مرة واحدة، لأننا فيه بالجسد الذي أخذه منا ومات به.أما القيامة فليست تلقائية، بل عطية تُعطى لمن يفتح قلبه للمسيح ليحيا فيه: "مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي." (غل 2: 20).فالقيامة لا تَحدث فينا إلا إذا أكملنا موتنا عن الإنسان العتيق، فيدخل إلينا القائم ويقيمنا فيه، لا من الخارج بل من الداخل، حيث يقيم فينا بالحقيقة.
 
 وأخيرًا، في عيد القيامة المجيد،لا نحتفل بذكرى ماضية، بل نعيش واقعًا حاضرًا ومصيرًا أبديًا. فالقيامة ليست مجرد حدث في التاريخ، بل هي دعوة شخصية لكل إنسان ليعبر مع المسيح من الظلمة إلى النور، من عبودية الجسد إلى حرية الروح، من الإنسان العتيق إلى الخليقة الجديدة.فلنُقم قلوبنا معه، ولنفتح له أبوابنا ليدخل ويقيم فينا، فتصير حياتنا – بكل ما فيها – قيامة مستمرة، وشهادة حية للرجاء الذي فينا."المسيح قام... بالحقيقة قام!"
وكل عام وأنتم بالقيامة مملوئين رجاءً، وبالصليب متجددين نعمة، وفي الطريق إلى المجد سائرين.