الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
في ليتورجيا سبت النور، لا نجد مجدًا مباشرًا ولا تهليلًا واضحًا. بل نحن مدعوّون إلى الدخول في ظلمة القبر، إلى صمت التاريخ، حيث يُحتَجز الرجاء في مفترق طرق بين الموت والحياة. فهذه الليتورجيا، في بنيتها الرمزيّة والروحيّة، تجسّد بامتيازٍ الرؤيةَ الخرستولوجيّة التي يقترحها عالِم اللاهوت متس: الإيمان ليس هروبًا من الألم، بل تذكّرٌ نشِط للضحايا، وشهادةٌ وسط الجحيم.
ليتورجيا النور التي تُقام في فجر القيامة لا تبدأ بالنور، بل تبدأ في الظلمة. تُطفأ الأنوار، يُبارك القنديل، وتُشعل شمعةٌ واحدة: المسيح النور وسط عالمٍ مملوء بالعتمة. لا يبدو نورًا كاملًا، بل بداية رجاء. ومن خلال هذا الطقس، تعلن الكنيسة لا انتصارها، بل رفضها لنسيان المصلوبين، وعن تمسّكها بوعدٍ يتحدّى منطق الموت.
يُعدّ هذا الطقس نوعًا من "الذاكرة الخطرة" (dangerous memory)، حسب تعبير متس، أي ذكرى لا تهدف إلى تسكين الألم، بل إلى فضحه. ففي كلّ مرّة نحيي فيها هذه الليتورجيا، نعيد طرح السؤال الذي لا يُمحى: أين كان الله حين صُلب الأبرياء؟ وتُصبح الشمعة المضيئة رمزًا لمنارة تنبع من الجحيم، لا من قصر الملوك.
وفي قراءات سبت النور في بعض الطقوس، نسمع قصص الخلق والخروج والأنبياء. هذه ليست فقط تذكّرات خلاص، بل هي وعدٌ بأنّ تاريخ الخلاص ليس مغلقًا. ففي هذا اليوم، تقرأ الكنيسة تاريخ الله مع البشر لا على أنّه قصةٌ انتهت، بل صراع لم يزل مفتوحًا، حيث كلّ ذكرى خلاص تحرّك رغبةً في العدالة اليوم، هنا، الآن.
الليتورجيا تبلغ ذروتها في تعميد القادمين إلى الإيمان في الكثير من الاحتفالات الطقسية في هذا اليوم. وهنا يتجلّى الطابع الاحتجاجيّ لهذا الطقس: فالمعموديّة ليست مجرّد انتماء رمزيّ، بل دخول في موت المسيح وقيامته. أي دخول في جراح العالم، واستقبال نورٍ يوجّهنا لا إلى السماء فحسب، بل إلى التاريخ، كي نعمل فيه أداة رجاء.
وهكذا، تتحوّل ليتورجيا سبت النور إلى فعلٍ سياسيّ – لا حزبيّ، بل نبويّ. فهي تذكّر الكنيسة أنّها لا تعيش في الأحد فقط، بل في السبت أيضًا: زمن الانتظار، الصمت، الرجاء المتوتّر. زمن نرفض فيه اختزال الإيمان في مفردات النجاح أو السلطة، ونصرّ على أن نقول مع المصلوب: "إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟"، لأنّنا نؤمن أنّ هذه الصرخة هي بداية القيامة.