الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
الأصولية مش بس تمسّك بالدين. الأصولية طريقة تفكير.
الناس كتير فاكرة إن الأصولية معناها التشدّد في الممارسة الدينية أو التمسّك بحرفيات النصوص، لكن الحقيقة إنها أوسع، وأخطر، وأعمق من كده. الأصولية، لو ينفع نسميها "فكر"، فهي مش فكر قد ما هي حالة عقل منغلق، شايف الدنيا من ورا نظّارة ضيّقة، كل حاجة فيها يا أبيض يا أسود. مافيش درجات، مافيش تعقيد، مافيش اختلاف.
الشخص الأصولي مش بس بيركّز على صيغ وأحكام قديمة، هو بيختار يعيش في ماضي هو اللي صمّمه لنفسه، ماضي مفصّل على مقاسه، وبيرجع له كأنه الحقيقة المطلقة. وده التناقض الكبير: لأن الأصولية، في حقيقتها، مش رجوع للأصول، زي ما الاسم بيوحي، دي رجوع لنسخة مختزلة، مشوّهة، من الماضي. نسخة فيها حزن، أو غضب، أو خوف. مش جذر، لكن وهم إنه جذر.
والأخطر من كده إن الأصولي مش بيكتفي يعيش جوّه العالم ده لوحده. لأ، هو عايز يفرضه على الكل. بالعنف، أو بالتكفير، أو بالعزل. وعلشان كده، الأصولية مش أزمة دينية بس، دي أزمة إنسانية. لأنها بتلغي التنوّع، وبتقفل باب التفكير، وبتمنع الناس من إنها تشوف احتمالات تانية للحياة.
الأصولية كمان ممكن نسميها "دين موحَّد"، مش لأن فيها وحدة إيمانية، لكن لأن أتباعها، مهما اختلفت أديانهم وطوايفهم، بيستخدموا نفس الأدوات: نفس التعصّب، نفس التشنّج، نفس الغضب، ونفس رفض الآخر. المفارقة المضحكة — والمُرّة — إنهم وهما بيكفّروا بعض، وبيحاربوا بعض، ويكسروا في بعض، بيبقوا في الحقيقة أقرب لبعض من أي حد تاني! لأنهم بيتكلموا نفس اللغة، وكل واحد بيتخيّل إنه الوحيد اللي بيمتلك "الصوت الإلهي".
الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
للإبرة وخزاتٌ أخرى: