الاستاذ شريف البدرى
ألم يأن للوطن أن ينظر فى مرآة التاريخ؟! فما استحقت الارض الطيبةأن تموت وقد اعتصرت دماء أبنائها عقود الكفاح والعرق والحرمان!

ان الأرض تصرخ وتئن حينما تموت الأمم ، وقد آمنت الأمة المصرية  منذ فجر التاريخ ببعث الكون وخلود الاراده.
 كانت الأمة المصرية ترسم وتشيد وتقفز بينما كانت البشرية تحبو لتقتفى آثارها خلال أزمنة طويلة .

 لكن عاصفة من عواصف المحن وطأت ماضى الأمة المصرية وضربت آمالها للغد، إنها جماعة الاخوان المسلمين،

هى جماعة ذات إشكالية معقدة عصيةعلى التفسير،تعيش فى ثوب فضفاض فتعرض نفسهافى البساطة والتعقيد فى آن واحد ،وتتنقل بين انفتاحا وانغلاق وتطور وجمود فى إتجاه معاكس ،تنصبغ بقشرة من حداثة وتتشبث بما هو غريب عنها ،

هى جماعة الرأس الكبير والجسد النحيل فهى القياده الشائخة وأتباع من قطيع الشباب الكهول .
ولدت جماعة الاخوان من رحم مجتمع مريض بخلل فى اوضاعه الإقتصادية والإجتماعية  .

كان الإقطاع ينهش ما بقى من أجساد الفلاحين واغلق الجهل عقولهم وعزلهم عن كل مظاهر المدنية ، أما الطبقة الوسطى فقد قاست علل تلك الفترة من تدنى الاجور وانتشار البطالة ثم هبت رياح الحرب العالمية الثانية فطاشت كافة الميزان ارتفعت الاسعار وقلت المؤنة .

فى ظل احتلال انجليزى استبد بالسلطة وتلاعب بالاحزاب والسلطان ثم بالملك واستنزف موارد البلاد فى حرب عالمية لا ناقة لها فيها ولا جمل ،كما انهزمت الدولة العثمانية وقامت جمهورية[ اتاتورك]
العلمانية .

لم تكن النخبة المصرية حينها تغنى المجتمع أو تسمن من جوع، فتات ضئيل هنا وهناك ،كانت الانهزامية تذل النفوس والاستهتار سمة عامة للجميع والفساد يعم المرافق. مدحت الجماعة الملك واستجدت ود القصر وإن كانت تهاجمه بين طبقات الشعب الكادح ونعتته بأقبح الصفات ،مدت يدها للحركه الطلابية وشاركت بعض نضالها ثم انقضت عليها خوفا من بزوغها ..

فى أثناء ثورة يوليو تلونت الجماعة لتلعب لعبتها القديمة وتوهمت أنها مشروع الدولة الوليد ،لكنها اصطدمت بجدار صلب هو
 [جمال عبد الناصر] الذى أدرك منذ البداية أن فشل الثورة أو حتى فراغها يعنى حكم الجماعة، والسقوط فى الفوضى والتخبط فأحكم قبضته وضربها بمطرقته .

كانت الجماعة تكتسب شرعيتها
من ذراعها الاجتماعى الممتد حتى اطراف المجتمع ففى حين اغمضت الاعين عن البسطاء تلقفتهم الجماعة بخدماتها التعليمية  والصحية والاجتماعية.
 لكن التجربة الناصرية أسقطت هذى الشرعية وانقذت الدوله من سباتها،لتصنع وتشغل وتبنى المساكن وتعلم أبناء الفلاحين وتوظفهم، فظهرت الدوله الحاضنه لأبنائها وحصنهم المنيع من الفاقة وحبائل الجماعة .

كانت الولادة الجديدة   للجماعة بعد الموت  فى عهد الرئيس السادات مقابل ان تكون الجماعة مطيته لضرب المعارضين له.
 وفى غفلة من الزمن تسللت الجماعة إلى كل المرافق واستعادت ذراعها المبتور بين الطبقات الفقيرة؛فكانت اليد العليا التى تعطى لتصنع العقول وتؤول الدين كما هى ترى.

لعبت الجماعة على الشخصية المصرية التى تاهت فى غياهب الزمن، وسكنتها آلام الخوف وضربتها التغيرات الإجتماعية فى عالم متأزم فتآكلت الهوية المصرية التى حافظت فى كل زمن على خصوصيتها و فلسفتها الاجتماعية والثقافيةوالتى طالما  تحصنت  بطبقة وسطى كانت عماد الوطن فى كفاحه ونهضته .

ثم أتت السلطه المباركية التى منحت مساحة للجماعة ففتحت لها أبواب الصناديق فى انتخابات المجالس التشريعيه والنقابات المهنية فانتفخت الجماعة ولم تدرك أن تاجها مصطنع من وحى السلطة تزيله بطرف منها متى شاءت .

لم تدرك الجماعة أن للسياسة أبواب كثيرة وأنها تنظر من زاوية صغيرة فكسب الاصوات فى العملية الانتخابية  لم يكن انعكاسا لديمقراطية حقيقية فالجماعة أبعد ماتكون عن أي نجاح فكرى أو سياسي .
إنما هو انعكاس لفشل كامل عاشه مجتمع عبر عهود طويلة ..

عانت الجماعة منذ نشأتها من ضمور فكرى لم يسلم منه الجانب الدينى الذى اقتصرفى عقول شبابها على قشور فقهيه ونزعة روحية أقرب إلى الصوفية التى تبدلت إلى السلفية بعد تهاوى الصوفية، فتلونت الجماعة وتكيفت تنظيميا بسلفية ظاهرية ليواجه شبابها الدعوة السلفيةوتغرى بها السلفية ذاتها اتقاء عدواتها فى مشروعها السياسي الذى بدا قريبا بنهاية الحكم المباركى .

بهتان الرؤية لدى الجماعة استمر منذ نشأتها دون محاولة حقيقة لإزالة الغشاوة وتجديد الفكر، لم تدرك الجماعة منذ نشأتها أن شمولية الاسلام لا تعنى أبدا فرض الوصاية لجماعةمن الناس على الناس، او تدخل الدين فى كل شئون الحياة الشخصية والاجتماعية ؛فالرسول ذاته لم يفعل ذلك إذ قال (أنتم أعلم بشئون دنياكم) ٠

صارعت الجماعة المذاهب السياسية ،واصطدمت بالفنون فى حين أن المبادئ الكلية للدين لطالما بقيت تزكى الابداع الحضارى وتتعايش فى مجتمعات مختلفةومتنوعة  الثقافات ...

*إن الاسلام هو الحل*شعار الجماعة لا يحقق اشباعا لحاجات المجتمع طالما غابت أدوات حقيقية للتغيير وافتقرت العقول لفهم حاجات المجتمع وتغيراته فى حين ان الجماعة لم تظهر لها نخبة اجتماعية حقيقية منذ نشأتها .
كانت الجماعة دائما بعيده عن نموذج التراث الذى  طالما تباهت به فى أدبياتها فليس منها
 أبو ذر الغفارى مثلا أو الحسن البصرى .
أما العدالة الاجتماعية لسيد قطب وجماعته فهى عاجزة عن فلسفة الحلول فما عرض فى كتابيه <العدالة الاجتماعية في الاسلام >
وكتاب
<معركة الاسلام والرأ سمالية>
يقدم نظريا حلول بسيطة لا تتجسد فى الواقع سوى أفكار بسيطة لم تتبلور بعد .

العدالة الاجتماعية لا تتحقق بالزكاة وحدها كعماد للنظام الاقتصادى كما أن عدم إستئثار الاغنياء بالمال لا يعنى بالضرورةتحقيق العدالة الاجتماعية،
فرأسمالية الدولة قد لا تنتج أو تحقق شيئا!

وليس بتوفير وسائل الكسب المشروع وحده تتحقق العدالة دون ضمانات وحقوق وتنمية شاملة.

كان سيد قطب يمثل انعطاف خطيرا فقد زكى الشعور بالاستعلاء الذى خالطه احتقار و كراهيه وختمها بتكفير وجاهلية المجتمع مما قسم أبناء الدين الواحد ٠
ورغم بلاغته الأدبية إلى أن عباراته حمالة أوجه كانت أقرب لخنجر يمزق جسد المجتمع...ولو اكتفى سيد قطب بسيد قطب كأديب لغوى ودينى لنفع نفسه وغيره .........