بقلم – م. شريف منصور
مقالي هذا لا يحمل أبعادًا دينية، بل هو تأمل إنساني في سيرة شخصية أثارت الكثير من الجدل، سواء من منظور إيجابي أو سلبي، وهو اختلاف مشروع في المجتمعات الحرة. ولعل أصدق ما يمكن أن يُستشهد به هنا هو قول الرب: “من منكم بلا خطية فليرمها أولًا بحجر.”

البابا فرنسيس، كما يُطلق عليه في كثير من وسائل الإعلام الغربية، خاصة اليسارية الليبرالية منها، يُعرف بـ “البابا الليبرالي”. لكن ما معنى هذا اللقب؟ وما الذي يعنيه للمسيحيين أو حتى للمجتمعات التي تتقاطع مع دوره العالمي؟

في جوهره، يُفهم “الليبرالية” هنا على أنها محاولة لتطويع رسالة المحبة والرحمة في المسيحية لتبرير الصمت أمام الإهانة، أو حتى قبول الكراهية الموجهة للمسيحيين، دون اعتراض. اعتذاره عما يُسمى بـ “المدارس الكاثوليكية الداخلية” في كندا، لم يكن موقفًا نابعًا من مراجعة تاريخية نزيهة، بل كان خضوعًا لرواية مشوهة فرضتها حكومة ليبرالية يقودها جاستن ترودو، الذي تغاضى عن حرق أكثر من 80 كنيسة، من ضمنها كنيسة مارجرجس القبطية في فانكوفر، دون محاسبة فعلية أو حماية حقيقية للأقلية المسيحية هناك.

وفي ممارساته السياسية، بدا البابا وكأنه يسعى لإعادة كتابة تاريخ الحروب الصليبية، لا بصفته رجل سلام، بل كمن يريد تزوير السياق، متناسيًا أن تلك الحروب كانت، في أصلها، دفاعًا عن الحجاج المسيحيين وحرية الوصول إلى الأماكن المقدسة في أورشليم.

المؤسف أن تدخلاته السياسية لم تتوقف عند حدود التأريخ أو المواقف الرمزية، بل امتدت لتشمل دعمًا مباشرًا أو غير مباشر لموجات الهجرة غير المنضبطة، بل وحتى الترويج لاحتضان جماعات تقف على النقيض من تعاليم المسيح والحضارة المسيحية. وكان لذلك أثرٌ عميق في إضعاف هوية أوروبا المسيحية، وتشجيع تيارات ترفض قيمها وتعمل على تدميرها من الداخل.

ليس الهدف من هذا المقال مناقشة الآيات أو التعاليم الرسولية، بل الوقوف عند آثار قرارات وتصرفات الرجل الذي جلس على كرسي بطرس، لكنه اختار، بملء إرادته، أن يُرضي العالم على حساب الحق.

ومن المهم أن نؤكد أن الرؤية المطروحة في هذا المقال لا تهدف إلى التقليل من شأن قداسة البابا فرنسيس أو مكانته الروحية، بل هي انتقاد واضح وصريح لتصرفاته السياسية التي رأينا فيها انحرافًا عن الثوابت الأخلاقية والروحية التي يفترض أن يتمسك بها رأس الكنيسة. فالدين، في جوهره، لا يجتمع مع السياسة، وإن حصل، فإن تدخل رجال الدين لدعم سياسات منحرفة أو ظالمة قد يكون شرًا أعظم من تلك السياسات ذاتها، لأنه يعطي الشر غطاءً من القداسة، ويصعب حينها على الشعوب أن تميز بين ما هو روحي وما هو دعائي.