عبدالله عبدالسلام
الخميس الماضى، زار البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، الذى تُوفى أمس، أحد السجون بالعاصمة الإيطالية روما. اعتذر عن عدم قدرته على «غسل القدمين» للسجناء، وهو الطقس الذى يؤكد على التواضع، ويستعيد ما فعله المسيح عليه السلام عندما غسل أقدام تلاميذه. بعد خروجه، قال البابا: «أسأل نفسى: لماذا هم وليس أنا فى هذا المكان؟». هذه إحدى أهم صفات البابا الراحل. كان دائمًا يضع نفسه مكان الفقراء والضعفاء والمُخطئين. فى مذكراته التى صدرت أوائل العام الحالى بعنوان «الأمل»، يقول: «أتذكر خطاياى وأشعر بالخجل. أنا خاطئ مثل أى شخص آخر. كنت طفلًا مؤذيًا».
تولى فرنسيس البابوية عام 2013. كانت آنذاك تعيش، كما وصفها أحد الكُتاب الغربيين، «عقلية القبو». فى عهد البابا المتشدد السابق بندكتوس السادس عشر، كان هناك عداء متزايد للعلمنة الغربية وانتقاد أكثر للأديان الأخرى، خاصة الإسلام. ترافق ذلك مع فساد مالى وكشف عن اعتداءات جنسية لبعض القساوسة ضد أطفال. فى بداية بابويته، قال إن نموذجه هو البابا يوحنا الثالث والعشرون الذى تحدث عام 1962 قائلًا: «أرغب فى فتح النافذة، والسماح بدخول بعض الهواء النقى». انتقد البابا فرنسيس أمراض السلطة الكنسية، داعيًا إلى أن تخرج من مركزيتها الأوروبية وتذهب إلى الأطراف فى آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وأن تصبح كنيسة للفقراء ومستشفى ميدانيًّا للمؤمنين.
حاول قدر جهده أن يحول إيمانه اليسوعى إلى واقع على الأرض. بدأ بنفسه. تخلى عن الامتيازات الفخمة والهائلة للبابوات. أقام فى منزل متواضع وليس قصرًا واستخدم سيارات عادية بدلًا من المرسيدس. فاجأ رجال الدين الكاثوليك بآراء صادمة مثل: الكنيسة يجب أن تعتذر للمثليين، لا أن تحكم عليهم. هاجم مراكز الاعتقال الأوروبية للمهاجرين من العالم الثالث، خاصة إفريقيا، ووصفها بأنها تشبه مراكز الاعتقال النازية. شكّك فى فوائد اقتصاد السوق والنزعة الشرسة للربح على حساب الفقراء والعمال. انتقد الحكومات التى لا يهمها مَن هم على هامش المجتمع. تقارب مع الأديان الأخرى، خاصة الإسلام. وقّع مع شيخ الأزهر، د. أحمد الطيب، وثيقة «الأخوة الإنسانية» عام 2019.
إجمالًا، كان نموذجًا مختلفًا عن كثير ممن سبقوه، لذا حظى بشعبية كبيرة بين الكاثوليك، بل بين شعوب العالم، لكن منتقديه يقولون إنه كان مبشرًا كبيرًا للتغيير أكثر منه منفذًا حقيقيًّا له. لم يغير «فاصلة» من التعليم المسيحى، كما كان يأمل الليبراليون الذين اعتقدوا أنه واحد منهم، غير مدركين أنه فى النهاية رجل دين، وإن كان متحمسًا للإصلاح. كانوا يأملون أن يغير موقف الكنيسة من الإجهاض، لكنه وصفه بأنه أفظع الجرائم. إنه ابن الكنيسة المخلص الحريص عليها من خلال إصلاحها، وليس القضاء عليها على طريقة جورباتشوف مع الاتحاد السوفيتى السابق. حاول البابا الراحل بث أفكاره الإنسانية التجديدية، لكنه اكتشف أن إصلاح الكنيسة يشبه، كما قال، تنظيف «أبوالهول» فى مصر باستخدام أعواد أسنان. الأمر شديد الصعوبة، إن لم يكن أقرب للاستحالة. ومع ذلك، سيدخل البابا فرنسيس التاريخ باعتباره مانح الأمل لملايين المحرومين منه. إنه بابا الفقراء والمستضعفين.
نقلا عن المصرى اليوم