سحر الجعارة
على صفحتى بمنصة «فيس بوك» دار حوار عبثى، عقب وفاة الحبر الأعظم البابا «فرنسيس»، بابا الكنيسة الكاثوليكية، فقد نشرت صورة للبابا وهو يقبل أقدام الفقراء، وهو ما اعتبره البعض «تزيد فى المحبة» لا علاقة له بما فعله السيد المسيح فى «خميس العهد».. وكان السيد المسيح، عليه السلام، يقوم بغسل أقدام تلاميذه ويُعتبر غسل وتقبيل الأقدام أحد طقوس «أسرار الخميس» أو «خميس الأسرار»، وهو تقليد كنسى قديم تشهده الكنيسة الكاثوليكية، بحسب موقع الفاتيكان.
ووفق الموقع، فإن «غسل الأقدام» يُعد «تخليداً لذكرى العشاء الأخير، عندما غسل المسيح، فى عشية آلامه، أقدام الرسل، وأرشدهم إلى طريق الخدمة».. كما يُعد تحضيراً روحياً لعيد الفصح.. وفى أحد خطابات البابا فرنسيس حول غسل الأقدام، قال: (ما هو أسمى عندنا يجب أن يكون فى خدمة الآخرين. هذا رمز، إنه إشارة، أليس كذلك؟ غسل الأقدام يعنى: «أنا فى خدمتك»).
الصور المنتشرة للبابا على الإنترنت تبين تقبيله لأقدام قادة السودان لوقف الحرب، وخلال استقباله رئيس جنوب السودان سلفا كير ونائبه رياك مشار فى الفاتيكان، عام 2019، بادر بابا الفاتيكان إلى تقبيل أقدام الزعيمين لحضّهما على الالتزام بوقف إطلاق النار.. ومنذ انتخابه وحتى وفاته، أخرج البابا فرنسيس هذا الاحتفال إلى خارج أراضى الفاتيكان واحتفل به بغسل أقدام السجناء واللاجئين وأصحاب الهمم والقادة المتحاربين.
ويختار البابا أشخاصاً من خلفيات متنوعة (رجال، نساء، مسنين، سجناء، لاجئين، معاقين، مسيحيين وغير مسيحيين) ليظهر أنه لا تمييز بين الناس. وفى تقليدٍ خاص بعيد القيامة لدى المسيحيين، غسل البابا فرنسيس عام 2013 أقدامَ 12 سجيناً وقبّلها. أما المفارقة فى تصرّفه ذاك، فكانت أنّ جزءاً من هؤلاء السجناء الأحداث كانوا من المسلمين، ولم تقتصر الرتبة الكنَسيّة على أبناء الطائفة المسيحية.
لكن البعض وجد حساسية شديدة فى هذا الصورة، وقرر أن يفعل مثلما فعل المتطرفون، وينتقد قرارات البابا «بعد رحيله»، الأمر الذى يؤكد أن التعصب تجذر فى المجتمع المصرى، وكأننا إن لم نجد من يمارس العنصرية ضدنا مارسناها على أنفسنا!!.
وقد عُرف الحبر الأعظم البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، بالعديد من الصفات والألقاب، ولعل أشهرها «بابا الفقراء» و«بابا السلام»، إذ تؤكد سيرته حرصه الدائم على مساعدة الفقراء بغضّ النظر عن الدين والعرق والجنس، كما كانت له مواقف مؤثرة تجاه اللاجئين وفقراء المهاجرين، لا سيما فى السنوات الأخيرة التى شهدت العديد من الحروب والأزمات فى بقاع مختلفة من العالم.
واعتبر البابا فرنسيس أن مساعدة الفقراء وتقديم العون لهم هو «جواز سفر إلى الجنة»، وخلال قداس سابق أعلن أول يوم سنوى عالمى للفقراء، تحييه الكنيسة الكاثوليكية، وأطلق البابا فكرته للفت أنظار كاثوليك العالم البالغ عددهم 1.3 مليار شخص إلى الناس الأكثر احتياجاً.
وقال البابا فى عظته الدينية آنذاك (19 نوفمبر 2017): «إذا كانت لهم (الفقراء) قيمة قليلة فى أعين العالم فإنهم من يفتحون لنا الطريق إلى الجنة. إنهم جوازات سفرنا للجنة، بالنسبة لنا العناية بهم مهمة إنجيلية».
وقرّر البابا فرنسيس السماح للنساء بالمشاركة كأعضاء يمتلكون حقّ التصويت، ضمن أعمال مجمع الأساقفة أو السينودس، وجاء ذلك ضمن تعديلات على آليات التصويت أُعلن عنها فى الفاتيكان، وتشمل السماح للكاثوليك العلمانيين - أى الذين لا يشغلون أى منصب كهنوتى أو دينى - بالتصويت على قرارات المجمع.
وبحسب القرار الأخير، سيكون نصف العلمانيين الذين يمتلكون حق التصويت من النساء، وقد منح الحقّ ذاته لخمس راهبات يشاركن فى أعمال المجمع كممثلات لرهبانتهن.
وبهذا القرار الأخير قد يتغير تماماً أداء الكنيسة الكاثوليكية بالانتصار للإنسان فى «حقوقه المدنية» وأولها الوجود العلمانى فى الفاتيكان!.
ومن بين القرارات الأولى التى اتّخذها البابا فرنسيس عقب تسلّمه منصبه: إلغاء المكافآت المالية التى كانت تُقدّم لموظّفى الفاتيكان كلّما انتُخب بابا جديد، والتى تقدَّر بملايين اليوروات. حوّل ذلك المبلغ للأعمال الخيريّة، كما أوقف المكافآت السنوية الخاصة بالكرادلة المشرفين على «مصرف الفاتيكان».. وفى أغسطس الماضى، عقد البابا فرنسيس اجتماعاً خاصاً مع ضحايا الاعتداءات الجنسية التى ارتكبها رجال الكنيسة، خلال زيارة استغرقت خمسة أيام للبرتغال.
إنه بابا الفاتيكان الأوّل الذى تصدّر غلاف مجلة «رولينج ستون»، ورُسم على هيئة شخصية كرتونيّة فى مجموعة من القصص المصوّرة، كما تحوّل إلى «سوبر مان» أو «سوبر بابا» على أحد جدران مدينة روما. أما هو فقد تعمّد اختيار اسم قدّيس الفقراء فرنسيس الأسيزى، ليرافقه فى بابويّته.
وخلال سنته الحَبريّة الأولى، قاد البابا فرنسيس حملة تطهيرٍ داخل المؤسسة الماليّة الفاتيكانيّة، والتى كانت تدور حولها شبهات فساد وتبييض أموال.
فلم يكن تقبيل الأقدام هو أعظم إنجازاته.. لقد حاولت قدر الإمكان أن أعرض لبعض مواقف الحبر الأعظم لأقدم النموذج المثالى للقيادة الروحية - الدينية.. وحاولت ألا أفرض رأيى الخاص ورؤيتى.. لأن هذه المواقف كفيلة بأن تعترف (ولو سراً) بأننا جميعاً نحتاج إلى تطهير شامل لضمائرنا ومواقفنا ومهامنا الإنسانية حتى لا تتحول إلى مكاسب شخصية.. رحم الله «سوبر بابا» نصير الفقراء وبقى لنا أثره فالعظماء لا يرحلون.
نقلا عن الوطن