الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
لا يمكن إنكار أنّ العديد من أكثر الأعمال العنيفة التي تحدث في العالم العربي تُرتكب باسم الدين – فالمؤسّسات الدينية المتطرفة مثل "داعش" تعد أمثلة صارخة على ذلك. ومع ذلك، ما يثير الاستغراب هو أنّ بعض الأشخاص يقومون بتعميم هذا العنف، ليس فقط على الإسلام، بل على الأديان الأخرى أيضًا، وكأن العنف سمة جوهرية لأي دين، أو كما لو أن كل مؤمن هو قاتل محتمل!
 
إذا كان الدين هو السبب الجذري للعنف – محركه الأساسي – فإننا قد نتوقع أن تكون البلدان أو الأنظمة التي لا تحتوي على دين هي الأكثر سلامًا وتقدمًا. دعونا نلقي نظرة على بعض الأنظمة التي عارضت الدين أو حتى حظرته تمامًا:
 
الاتحاد السوفيتي تحت حكم ستالين: تشير التقديرات التاريخية إلى أن سياسات ستالين تسببت في مقتل ملايين الأشخاص، سواء من خلال المجاعة أو الإعدامات أو معسكرات العمل القسري. هذه الحصيلة المأساوية تؤكد أن العنف ليس محصورًا في الأيديولوجيات الدينية فقط.
 
الصين الشيوعية: إن مذبحة ساحة تيانانمن عام 1989 تعد مثالًا مأساويًا على العنف الذي ارتكبته حكومة معادية للدين، سواء كان إسلاميًا أو مسيحيًا أو حتى بوذيًا. ورغم أن العدد الدقيق للضحايا غير مؤكد، إلا أن التقديرات تتراوح بين 200 إلى 10,000.
 
كمبوديا تحت حكم بول بوت (الخمير الحمر): خلال حكم الخمير الحمر، قُتل حوالي 1.5 مليون شخص في محاولة لإنشاء مجتمع شيوعي مثالي، خالٍ من الدوافع الدينية.
 
إلى جانب الأنظمة الإلحادية، نرى أيضًا أعمال عنف مروعة حدثت من دون أي سياق ديني:
إبادة رواندا (1994): كانت الصراعات بين الهوتو والتوتسي صراعات عرقية وسياسية، لا دينية، على الرغم من أن الجانبين كانا يتبعان في الغالب نفس الدين (المسيحية الكاثوليكية). قُتل أكثر من 800,000 شخص في 100 يوم فقط، ولم يكن الدين جزءًا من العنف.
 
العنف السياسي في بيرو (الثمانينيات – التسعينيات): انخرطت المجموعة الشيوعية "الطريق الساطع" في تمرد دموي ضد الدولة، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف دون أن يكون هناك أي خطاب ديني.
 
تشمل الأمثلة الأخرى الحروب في السودان، حرب الخليج، والحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان... إلخ. القائمة طويلة ومأساوية، ما يثبت أن جذور العنف أكثر تعقيدًا من أي سبب واحد، سواء كان دينيًا أو علمانيًا.
 
النتيجة؟
إلقاء اللوم على الدين فقط في العنف البشري هو إنكار للحقائق التاريخية. العنف ليس مقتصرًا على المتدينين، وليس مرتبطًا بشكل جوهري بالإيمان الديني. في الواقع، فإن الطمع، والعطش للسلطة، والتطرف الأيديولوجي غالبًا ما تكون هي القوى الدافعة، سواء كانت متخفية تحت عباءة الدين أو الثورة أو الحرية.
من المهم انتقاد المؤسسات الدينية على فشلها في منع استغلال معتقداتها من قبل الأيديولوجيات العنيفة. يجب معالجة هذا الفشل. ومع ذلك، من غير العادل – تاريخيًا ومنطقيًا وواقعيًا – تحميل الدين وحده مسؤولية العنف البشري. العنف في جوهره هو قضية إنسانية، تنشأ من القرارات البشرية، وليس من جوهر الدين نفسه.
 
 العنف هو العنف، يجب منع وقوعه قبل حدوثه وليس فقط مقاومته وقت حدوثه. بالطبع، يبدو أنّ التاريخ البشري يُظهر أنّ العنف حينما يرتدي عبائة الدين تصعب مقاومته مقارنة بالعنف الناتج عن الأيديولوجيات!