محرر الأقباط متحدون
إن قرار البابا فرنسيس القاضي بأن تكون بازيليك القديسة مريم الكبرى في روما مثواه الأخير ربما فاجأ كثيرين لكنه لم يكن قراراً فريداً من نوعه، وليس الأول في تاريخ الكنيسة كما قال المؤرخ والأستاذ الجامعي الأمريكي دونالد برولدو في مقابلة مع موقع فاتيكان نيوز الإلكتروني، حاول أن يسلط من خلالها الضوء على هذا الصرح الديني الهام وعلى رمزيته بالنسبة للبابوية، مع العلم أنه يوجد أحبار أعظمون آخرون دُفنوا في هذه البازيليك الرومانية.
يوم السبت الماضي، وفي أعقاب مراسم التشييع التي جرت في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان بحضور قادة العديد من دول العالم وحشد غفير من المؤمنين والحجاج، نُقل جثمان البابا فرنسيس إلى بازيليك القديسة مريم الكبرى ليوارى الثرى، كما كتب برغوليو في وصيته، وأصبح بذلك أول بابا يُدفن خارج البازيليك الفاتيكانية منذ أكثر من مائة وعشرين سنة.
لكن من بين البابوات المائتين والستة والستين، الذين تعاقبوا على الكرسي البطرسي، من اختاروا أن يُدفنوا في أماكن متعددة، كما يقول المؤرخ برولدو، الذي هو أيضا أستاذ الدراسات الكاثوليكية في جامعة تولسا بالولايات المتحدة الأمريكية. وأضاف أنه عندما يفكر المؤمنون الكاثوليك في موت الحبر الأعظم يتجه تفكيرهم تلقائياً نحو بازيليك القديس بطرس، والسبب يعود لأن أكثر من نصف البابوات في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية دُفنوا في البازيليك الفاتيكانية، والتي بُنيت في الموقع حيث كانت الكنيسة التي شيّدها قسطنطين، أول إمبراطور روماني مسيحي.
وخلال السنوات المائتين الماضية قرر البابا بيوس التاسع أن يُدفن في كنيسة القديس لورنسو خارج أسوار روما القديمة، فيما شاء خلفه البابا لاوون الثالث عشر أن يوارى الثرى في كاتدرائية يوحنا اللاتيران، التي هي الكرسي الأسقفي لراعي أبرشية روما. وعلى مر القرون الغابرة شاء عدة بابوات أن يُدفنوا في مدن إيطالية مختلفة، كما أيضا في فرنسا، خلال الفترة التي كانت فيها مدينة أفينيون مقراً للبابوات. وهناك آخرون دُفنوا في بلدان أبعد من فرنسا، شأن ألمانيا أو حتى أوكرانيا.
بعدها لفت المؤرخ والأستاذ الجامعي الأمريكي إلى أن البابا فرنسيس أصبح الحبر الأعظم الثامن الذي يُدفن في بازيليك القديسة مريم الكبرى، وقد بدأ هذا التقليد في القرون الوسطى من قبل البابا أونوريوس الثالث والبابا نيكولاوس الرابع، قبل أن تصبح البازيليك مكاناً يُدفن فيه البابوات بدءاً من القرن السادس عشر.
وذكّر دونالد برولدو بوجود حبرين أعظمين دُفنا هناك، هما البابا بيوس الخامس، من الرهبنة الدومينيكانية، والبابا سيكستوس الخامس من الرهبنة الفرنسيسكانية، ما يدل على أن هذا الصرح عزيز على قلب الجمعيات الرهبانية، خصوصا إذا ما أخذنا في عين الاعتبار كون البابا فرنسيس أول راهب يسوعي – في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية – يُنتخب على السدة البطرسية.
وأضاف برولدو أن بازيليك القديسة مريم الكبرى، التي تُعتبر من أكبر وأقدم الكنائس الرومانية مكرسة للسيدة العذراء، وكانت عزيزة جدا على قلب البابا برغوليو، كما هي عزيزة أيضا على قلب أهالي مدينة روما، خصوصا وأنها تحتوي على أيقونة العذراء المعروفة باسم "خلاص الشعب الروماني". واللافت أن ضريح البابا فرنسيس موجود إلى جانب الكابلة التي تحتوي على هذه الأيقونة.
وقال بهذا الصدد المؤرخ الأمريكي إن المكان الذي دُفن فيه الحبر الأعظم يشكل رمزاً للبابوية، معتبرا أن الخيار الذي اتخذه البابا فرنسيس يصب في هذا الاتجاه، إذ يسلط الضوء على إكرام العذراء مريم، ويعكس في الوقت نفسه قرب الحبر الأعظم الراحل من الشعب الروماني، الذي يكرم هذه الأيقونة المريمية.
كما أن هذا القرار يؤكد أنه ليس من الضرورة أن يُدفن البابوات في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان، لكن في الوقت نفسه – ختم المؤرخ الأمريكي دونالد برولدو حديثه لموقعنا يقول – لا بد أن ندرك رمزية أن يوارى البابوات الثرى في البازيليك الفاتيكانية حيث يوجد ضريح القديس بطرس الرسول، علامة لاتحادهم مع هذا الأخير ولاستمرارية الخلافة البابوية.