كلمة قداسة البابا يوحنّا بولس الثاني
إلى وفد الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة في الڤاتيكان
الإخوة الأحبّاء في المسيح،
الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
بفرحٍ عظيم أحيّيكم، أيّها الضيوف المكرّمون والمندوبون الأفاضل عن أخي قداسة بطريرك الإسكندريّة، البابا شنوده الثالث. وإنني لأعرب عن بالغ امتناني لقداسته على إرساله إيّاكم، وعلى كلمات التحيّة والمحبّة الأخويّة التي بعث بها إليّ من خلالكم. إنّها مصدر عزاء وتشجيع لي.
ما أروع طرق الربّ! فهو يسمح لنا اليوم أن نعلن معًا إيماننا المشترك بيسوع المسيح، ابنه الإلهيّ، الإله الحقّ والإنسان الحقّ، الذي مات وقام من بين الأموات، والذي، بالروح القدس، يحيا في كنيسته ويقودها، هذه الكنيسة التي هو رأسها. إنّنا لنبتهج معًا لأنّ شكوك الماضي وظنونه قد ذُلِّلتْ، فصار بإمكاننا، بقلوبٍ مفعمة، أن نعلن معًا هذا الحقّ الجوهريّ من إيماننا المسيحيّ.
منذ الأيّام الأولى لانتخابي أسقفًا لروما، عدَدتُ أنّ من أبرز واجباتي السعي الحثيث إلى تحقيق وحدة جميع الذين يحملون الاسم المقدّس: مسيحيّون. وإنّه لمن الواجب التغلّب، بإرادة راسخة، على عار الانقسام، لكي نتمكّن، عبر حياتنا الكنسية وخدمتنا للعالم، من تحقيق صلاة الربّ للكنيسة: «ليكونوا بأجمعهم واحدًا». وقد شدّدتُ على هذا الأمر في مناسباتٍ عدّة، وأكرّره الآن أمامكم، نظرًا لِما تمثّله الشركة بين كنيستيّن رسوليّتين مثل كنيستينا.
أدرك تمامًا أنّ من القضايا الأساسية التي تشغل الحركة المسكونيّة مسألة طبيعة الشركة الكاملة التي ننشدها، والدور الذي أناطه الله بأسقف روما في خدمة تلك الشركة الإيمانيّة والحياة الروحيّة التي تتغذّى بالأسرار وتتجلّى بالمحبّة الأخويّة. لقد أُحرز تقدّمٌ ملحوظ في تعميق فهمنا لهذه المسألة، إلّا أنّ الكثير لم يزل ينتظر الإنجاز. وأرى في زيارتكم هذه لي، وللكنيسة في روما، إسهامًا مهمًّا في سبيل الحلّ النهائي المنشود لهذه المسألة.
إنّ الكنيسة الكاثوليكية تؤسّس حوارها القائم على الحقيقة والمحبّة مع الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة على المبادئ التي أعلنها المجمع الڤاتيكاني الثاني، لا سيّما في الدستور العقيديّ في الكنيسة "نور الأمم" (Lumen Gentium) والمرسوم في الحركة المسكونيّة "استعادة الوحدة" (Unitatis Redintegratio). ويسعدني أن أتبنّى بنفسي التصريحات الواردة في الإعلان المشترك الذي وقّعه سلفي المكرّم البابا بولس السادس مع قداسة البابا شنوده الثالث عام 1973، والدعم الذي قدّمه الكرسيّ الرسوليّ لهذا الحوار منذ ذلك التاريخ.
إنّ من المبادئ الجوهريّة في هذا الحوار الاعتراف بأنّ غنى الوحدة في الإيمان والحياة الروحيّة يجب أن يُعبَّر عنه بتنوّع الأشكال. فالوحدة، سواء على المستوى العالميّ أو المحليّ، لا تعني التماثل أو استيعاب جماعةٍ لأخرى، بل هي في خدمة جميع الجماعات، لتساعد كلًّا منها على أن تحيا بأمانةٍ المواهبَ التي منحها لها روح الله. وهذا يشجّعنا على التقدّم بثقة، مستندين إلى إرشاد الروح القدس.
ومهما كانت مرارة الماضي، ومهما وجدتْ من شكوك أو توتّرات في الحاضر، فإنّ الربّ يدعونا إلى السير قدمًا في الثقة المتبادلة والمحبّة الأخويّة. فإذا أردنا أن نبلغ الوحدة الحقيقيّة، فإنّ ذلك سيتحقّق من خلال تعاون الرعاة على المستوى المحلّيّ، ومن خلال التعاون على مختلف مستويات حياة كنيستينا، لكي ينمو شعبُنا في الفهم المتبادل، والثقة والمحبّة المتبادلة. وليس أحدٌ يحاول فرض هيمنته على الآخر، بل بخدمة بعضنا بعضًا، سننمو جميعًا في كمال الوحدة التي صلّى من أجلها ربنا يسوع المسيح ليلة آلامه (يو 17)، التي حضّنا الرسول بولس على أن نسعى إليها بكلّ اجتهاد (أف 4، 11-13).
أجدّد شكري لكم على حضوركم. وتتّجه أفكاري وصلواتي إلى أخي قداسة البابا شنوده الثالث، وإلى الأساقفة والإكليروس وجميع المؤمنين في كنيستكم، فيما تصلّون وتعملون مع إخوتكم الأساقفة ومؤمني الكنائس الكاثوليكيّة في مصر من أجل بلوغ الشركة الكنسيّة الكاملة، تلك التي ستكون عطيّةَ الله لنا جميعًا.
ترجمتي عن الإنجليزيّة: