محرر الأقباط متحدون
كتب مدير التحرير في دائرة التواصل الفاتيكانية، أندريا تورنييلي، مقالا افتتاحياً بعنوان "البابا فرنسيس والحرب، قال لا لإعادة التسلح حتى النهاية"، سلط الضوء على اثنتي عشرة سنة من حبرية خورخيه برغوليو، كانت مفعمة بالمواقف والخطابات عكست رفضه التام للصراعات ولسباق التسلح، وشدد تورنييلي على أن مواقف البابا الراحل تكتسب أهمية كبرى اليوم إزاء إعادة التسلح النووي.

كتب المسؤول الفاتيكاني أن البابا فرنسيس وقبل فترة وجيزة على وفاته أطلق صرخة إلى العالم كله، ليقول لا للحرب، وجاء هذا النداء كالإرث الذي يتركه لنا اليوم، وكان نبياً لم يلق آذاناً صاغية، وعلى الرغم من المرض الذي حرمه من صوته، شاء أن يسمعه العالم كله يقول كلمة "سلام". وقد عارض سباق التسلح المجنون، الذي يتطلب موارد تُحرم منها الشعوب، وتُستثمر في أدوات الموت والدمار.

وذكّر تورنييلي بما قاله البابا فرنسيس في كلمته إلى مدينة روما والعالم يوم عيد الفصح ٢٠٢٥، عندما أكد أن السلام ليس ممكناً بغياب نزع للسلاح، وأكد أن متطلبات كل شعب في الدفاع عن نفسه ينبغي ألا تتحول إلى سابق للتسلح. وأطلق فرنسيس، عشية وفاته، نداء إلى جميع المسؤولين السياسيين حاثا إياهم على عدم الاستسلام لمنطق الخوف الذي يحمل الإنسان على الانغلاق على نفسه، وطلب منهم أن يستخدموا الموارد المتاحة لديهم من أجل مساعدة المحتاجين ومكافحة الجوع وتعزيز مبادرات تحقق التنمية، قائلا إن هذه هي أسلحة السلام، إنها الأدوات التي تبني المستقبل، والتي لا تزرع الموت.

هذا ثم أشار المسؤول الفاتيكاني إلى أن البابا فرنسيس سلط الضوء دائماً على مبدأ الإنسانية الذي ينبغي أن يكون ركيزة لتصرفاتنا اليومية. وأكد أنه إزاء قساوة الصراعات التي لا ينجو منها المدنيون العزل بالإضافة إلى المدراس والمستشفيات والعاملين الإنسانيين، لا بد أن نتذكر أن المستهدفين ليسوا إلا كائنات بشرية، لديها نفس وكرامة.

وأوضح تورنييلي في هذا السياق أن البابا فرنسيس كان نبياً لم يُصغ إليه أحد منذ العام ٢٠١٤، عندما تحدث عن حرب عالمية ثالثة مجزّأة، وأجزاؤها هذه تلتحم مع بعضها البعض شيئاً فشيئا. وأضاف مدير التحرير أنه في عالم يسوده منطق الصراع بين الجميع، ويشهد ارتفاعاً مستمراً في النفقات العسكرية من أجل توسيع الترسانات القادرة على تدمير العالم أكثر من مرة، واصل الحبر الأعظم الراحل الدعوة إلى السلام والتفاوض وإلى المحادثات الجادة والنزيهة وإلى وقف الاقتتال. وظلت قضية السلام العالمي في طليعة انشغالاته حتى عندما كان على سريره في المستشفى، وقد صلى كثيراً على نية السلام.

ولفت تورنييلي إلى الرسالة التي وجهها البابا فرنسيس إلى مدير صحيفة "كورييريه ديلا سيرا" الإيطالية في الرابع عشر من آذار مارس ٢٠٢٥، والتي دعا فيها إلى تجريد الكلمات من السلاح، كي تجرد الأذهان بعدها ثم الأرض. وتحدث خورخيه برغوليو في الرسالة عن الحاجة الملحة اليوم إلى التفكير والتروي والتعقل، وكتب أنه في وقت تدمر فيه الحرب الجماعات والبيئة دون أن تقدّم حلولاً للصراعات، تحتاج اليوم الدبلوماسية والمنظمات الدولية إلى عصارة جديدة وإلى المصداقية.

هذا ثم ذكّر المسؤول الفاتيكاني باللقاء الذي جمع البابا الراحل بالحركات الشعبية في تشرين الأول أكتوبر عام ٢٠١٤ عندما تحدث عن وجود منظومات اقتصادية تخوض الحروب كي تبقى على قيد الحياة، ولهذا السبب تُصنع الأسلحة وتُباع ويُضحى بالإنسان على مذبح إله المال. ولا يفكر أحد بالأطفال الجياع في مخيمات اللاجئين، أو بالتهجير القسري، أو بالمنازل المدمرة أو بالعديد من الأشخاص الذين دُمرت حياتهم.

أما في العام ٢٠٢٠، خلال لقائه مع أساقفة حوض البحر المتوسط في باري، تطرق البابا إلى خطية النفاق عندما تتحدث العديد من البلدان التي تشارك في مؤتمرات واجتماعات دولية عن السلام وفي الوقت نفسه تبيع الأسلحة إلى دول تخوض الحروب. وفي لقائه مع السلطات المدنية في مالتا، خلال زيارته الرسولية عام ٢٠٢٢، لفت فرنسيس إلى أن العالم اعتاد على التفكير بمنطق الحرب، مشيرا إلى أن رياح الحرب التي تعصف تغذّت على مر السنين، وذلك من خلال الاستثمارات الكبيرة وتجارة الأسلحة.

وفي العام ٢٠٢٣ – كتب تورنييلي – لمناسبة الذكرى السنوية السبعين لصدور الرسالة العامة للبابا يوحنا الثالث والعشرين "السلام في الأرض" تطرق فرنسيس إلى زيادة الموارد الاقتصادية المخصصة للتسلح، ما يعكس القناعة بأن السلام ممكن فقط إذا ما ارتكز إلى التوازن في القوى. وهذا يولد الخوف المتبادل ويهدد الأمن لأن الوضع يمكن أن يخرج عن السيطرة. وذكر تورنييلي في الختام بأن البابا أكد أن حيازة الأسلحة النووية أمر غير أخلاقي بحد ذاته، وذلك خلال زيارته إلى هيروشيما عام ٢٠١٩.