د. منى نوال حلمى
١ مايو، هو عيد الاحتفاء بالعمل، وباليد البشرية، كأول «آلة» استخدمها الإنسان، ليغلق الفجوة بين الحلم، والأمنيات والخيال، والواقع الفعلى.

قال فولتير ٢١ نوفمبر ١٦٩٤ – ٣٠ مايو ١٧٧٨: «العمل يحمينا من ثلاثة أشياء: الملل، والرذيلة، وعوز الحاجة».

الانسان لا يشعر بـ«الشيخوخة»، إلا فى حالتين، الأولى عندما يفقد «أمه». والثانية عندما يفقد «عمله».

و«العمل»، أستاذ الأساتذة، هو المدرسة، والجامعة، تعلمنا، تهذبنا، وتمدنا بالمعارف، والحكمة. هو الطبيب، لمنْ يرغب فى الشِفاء، والمتعة لمنْ أراد إمتاعًا.

إن السعادة ليست فى تجنب مشقة العمل، وإنما بالتغلب عليها. إن عدم وجود عمل، والراحة، والتقاعد، تقتل أكثر مما يقتل العمل الشاق. ولو كان الثراء بديلًا عن العمل، لتحولت مكاتب الأغنياء إلى غرف نوم، وملاه صباحية ومسائية، تنبئ بإفلاس قريب.

إن توماس إديسون ١١ فبراير ١٨٤٧ – ١٨ أكتوبر ١٩٣١، أعظم مخترعى العالم، الذى اخترع الفونوغراف، والمصباح الكهربائى، اعتبر «النوم» مضيعة للوقت، حتى استحق عن جدارة لقب «عدو النوم». الرجل الذى أضاء العالم، كان «يعمل» يوميًا، عشرين ساعة، وكان يهرب من الاحتفالات وحضور المناسبات، ليواصل عمله وتجاربه واختراعاته ( ١٠٩٣ براءة اختراع). هذه أشهر مقولاته: «أنا لم أفشل، بل وجدت ١٠٠٠٠ طريقة لا يمكن للمصباح العمل بها».

وفى مجتمع مثل مصر، حيث متوسط عدد المواليد ٥.٣٧٨ يوميًّا، يكون فتح المزيد من فرص العمل، ضرورة، وطوق النجاة.

إن الأفراد الذين يلدهم المجتمع، ويكبرون، ويتعلمون، ولا يجدون «عملًا»، يتناسب مع تعليمهم، وأحلامهم، وأمنيات آبائهم، وأمهاتهم، يشكلون «خطرًا داهمًا»، و«قنبلة موقوتة». سينتهى بهم الحال، إلى المرض النفسى والعضوى، أو التسول، أو الجلوس على المقاهى يتحرشون بالفتيات، والنساء، أو التورط فى الجرائم، والاتجار فى الممنوعات، أو الانضمام إلى جماعات إرهابية تنشر العنف، والتطرف الدينى، والكراهية.

نسمع عن الإدارات الإلكترونية، والميكنة، والشباك الواحد، لتوفير الوقت والجهد، للشعب المصرى، وقطع الطريق أمام الفساد، المتمثل فى طلب رشاوى.

السؤال: ماذا سنفعل مع معدل المواليد المرتفع، حيث تستقبل مصر ٢٢٤ مولودًا فى الساعة، أى ٧٣.٣ طفل كل دقيقة؟. هذه كارثة بكل المقاييس، خاصة أن الثقافة الدينية السائدة، تمدح «الكثرة» العددية، وتتباهى بها. إن تحديد النسل، ولو مؤقتًا، ليس رفاهية، أو اختيارًا. إنه «ضرورة» للبقاء، ومحاربة البطالة والفقر، وعنصر أساسى فى معادلة حماية الأمن، والأمان.

هل خدمة الشعب المصرى تكون بالتوسع فى الميكنة، والاستغناء عن أبنائه وبناته فى «العمل»؟. أليس هذا أشبه بمنْ يريد علاج المرض بالتخلص من المريض نفسه؟.

إن القضاء على الفساد يكمن فى تحسين الأحوال المادية للعنصر البشرى، بحيث ينتفى الدافع للفساد.

إن «العمل» هو معيار الشرف، أو الفضيلة.

فالإنسان «الشريف» هو العامل الذى يكسب قوته من عرق جبينه ومن عصارة أفكاره ومن انتاج مواهبه. الإنسان «الفاضل» هو الذى يرفض أن «يأكل» من عمل الآخرين.

«اليد البطّالة نجسة»... هكذا يقول المثل القديم. أنا لا أستخدم كلمة «النجاسة».

لكن المقولة تشير إلى مدى «البشاعة»، و«القذارة»، و«القرف»، الخارج من يد عاطلة، لا تعمل.

لنمتنع كلنا عن «مصافحة» الأيدى البطّالة الناعمة.

ما أنظف وأرق وأجمل الأيدى الخشنة، المتربة، المشققة، يغطيها التراب والطين.

■ ■ ■

خِتامه شِعر

لا تقارنّى بغيرى من العاشقات

أحياء يُرزقن أو من الأموات

ترى الشجر والبحر فى عيونهن

من السمراوات كن أو شقراوات

لا تسلنى عن ملهم القصيدة

والرجل النائم فى حضن الأوراق

كأس حبك بها سم قاتل

لا تتدخل بينى وبين الترياق
نقلا عن المصرى اليوم