د. ماجد عزت إسرائيل   

تحل علينا اليوم ذكرى استشهاد القديس مرقس الرسول، مؤسس كنيسة الإسكندرية وكاروز الديار المصرية، الذي قدّم للعالم نموذجًا فريدًا في البشارة والشهادة للإيمان. فحياة هذا القديس العظيم تمثل قصة من الشجاعة، والإيمان، والتضحية، فقد كرّس حياته لنشر نور المسيحية في أصعب الظروف وأخطر الأماكن.
 
نشأته:وُلد القديس مرقس في القيروان، إحدى المدن الخمس الغربية بليبيا، في بلدة تُدعى أبرياتولس، من أبوين يهوديين من سبط لاوي. فنشأ في أسرة متدينة كانت من أقدم الأسر إيمانًا بالمسيحية.فاسم والده أرسطوبولس، ووالدته مريم، التي كانت امرأة تقية لها اعتبارها بين المسيحيين الأولين في أورشليم.وقد تعلم اليونانية واللاتينية والعبرية وأتقنها. وقد انتقلت أسرته إلى فلسطين بسبب هجوم القبائل المتبربرة على أملاكهم، وسكنوا بأورشليم.واسمه: يحمل اسمين: يوحنا (اسم عبري) يعني "يهوه حنان"، ومرقس (اسم روماني) يعني "مطرقة".
 
علاقته بالسيد المسيح: كانت والدته من النساء اللواتي خدمن السيد المسيح من أموالهن. فكان مرتبطًا بعائلة القديس بطرس الرسول، ويُعتقد أن والده كان ابن عم زوجة القديس بطرس أو ابن عمتها. "يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَرِسْتَرْخُسُ الْمَأْسُورُ مَعِي، وَمَرْقُسُ ابْنُ أُخْتِ بَرْنَابَا، الَّذِي أَخَذْتُمْ لأَجْلِهِ وَصَايَا. إِنْ أَتَى إِلَيْكُمْ فَاقْبَلُوهُ." (كو 4: 10). و فتح بيتهم ليأكل السيد المسيح الفصح مع تلاميذه في العلية، مما جعل البيت أول كنيسة مسيحية في العالم.ويعد القديس مرقس من السبعين رسولًا الذين اختارهم السيد المسيح للخدمة، ولقب بـ"ناظر الإله".
 
كرازته: وقد بدأ خدمته مع بطرس الرسول في أورشليم واليهودية.ورافق بولس وبرنابا في الرحلة التبشيرية الأولى، لكنه عاد لأورشليم بعد مرضه في برجة بمفيلية. فأسس كنيسة الإسكندرية بعد زيارته للمدن الخمس الغربية في ليبيا، ثم دخل الإسكندرية من بابها الشرقي حوالي سنة 60 م. ويُعتبر أول من بشر في مصر بالمسيحية ورسم أنيانوس أول أسقف على الإسكندرية.
 
استشهاده: استشهد في 30 برمودة 68م، حين هاجمه الوثنيون في الإسكندرية وسحلوه في شوارعها حتى فارق الحياة. وقد قضى الليلة الأخيرة في السجن حيث ظهر له السيد المسيح ليعزيه ويقويه.ونال ثلاثة أكاليل:إكليل الشهادة، وإكليل الرسولية وإكليل البتولية.وبعد استشهاده، حاول الوثنيون حرق جسده، لكن عاصفة قوية أطفأت النيران، فتمكن المؤمنون من دفنه في الكنيسة بالإسكندرية.
 
إرثه الخالد: ترك القديس مرقس إرثًا روحيًا عظيمًا يتمثل في إنجيله، الذي يُعد أقدم الأناجيل، وفي مدرسة الإسكندرية التي أصبحت مركزًا للفكر اللاهوتي والعلمي في العالم المسيحي. تظل ذكراه خالدة في قلوب المؤمنين، وأيقوناته التي تُظهره مع الأسد ترمز لشجاعته وقوته الإيمانية.وفي ذكرى استشهاده، نتذكر شجاعته وتضحياته، ونستلهم من حياته رسالة الإيمان والمحبة والشهادة للمسيح في كل زمان ومكان.
 
 وأخيرًا، لقد كان القديس مرقس الرسول نموذجًا حيًا للغيرة الروحية والشجاعة في نشر الإيمان المسيحي، رغم كل الصعوبات والاضطهادات التي واجهها. بفضل خدمته وتضحياته، أصبح نور المسيحية يضيء في مصر وكل أنحاء العالم، حيث أسس كنيسة الإسكندرية التي صارت مركزًا لعلم اللاهوت والرهبنة، ومصدرًا لإشعاع روحي أثرى العالم المسيحي بأسره.فترك لنا القديس مرقس إرثًا عظيمًا من التعليم والقدوة، ورسم بدمائه الطاهرة شهادة خالدة للإيمان، ليكون بحق "ناظر الإله" و"حامل نور المسيحية". فلتكن سيرته مصدر إلهام لكل مؤمن، وليكن إيمانه وشجاعته مثلًا نحتذي به في حياتنا اليومية، ونحن نسعى لخدمة الله والآخرين بمحبة وإخلاص.فذكرى استشهاده تبقى دائمًا تذكيرًا بقوة الإيمان وحلاوة الشهادة، وعلامة على انتصار الحق والنور على الظلام والاضطهاد.