الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
اختيار البابا للاسم "لاوُن الرابع عشر" يُعدّ فعلًا رمزيًّا ذا دلالات لاهوتيّة، وتاريخيّة، واجتماعيّة عميقة، وقد فسّره بنفسه ضمن خطابه الأوّل. فما دلالة هذا الاختيار؟

١. امتدادٌ لخطٍّ تاريخيّ في التعليم الاجتماعيّ الكاثوليكيّ
أعلن البابا صراحةً أنّه استلهم اسمه من لاوُن الثالث عشر، الذي يُعدّ مؤسّس التعليم الاجتماعيّ الحديث في الكنيسة، بفضل رسالته البابويّة "في الشؤون الحديثة" (Rerum Novarum) الصادرة عام 1891.

واجهت تلك الرسالة الواقعَ المتغيّر للثورة الصناعيّة الأولى، من بطالة واستغلال وظلم طبقيّ، ورفعت صوت الكنيسة للدفاع عن حقوق العمّال والعدالة الاجتماعيّة.

البابا الجديد إذًا يُعلن نفسه امتدادًا لهذا الخطّ، مؤكدًا أنّ الثورة الصناعيّة المعاصرة، المتمثّلة في الثورة الرقميّة والذكاء الاصطناعيّ، تتطلّب بدورها قراءة لاهوتيّة ونبويّة ملتزمة بالكرامة والعمل والعدل.

٢. الربط بين الماضي والحاضر
يحمل اسم "لاوُن" بعدًا من الاستمراريّة التاريخيّة، لا تكرارًا للماضي، بل استحضارًا له في ضوء الحاضر.

فكما شكّلت الآلات البخاريّة ومصانع القرن التاسع عشر تحديًا اجتماعيًّا وأخلاقيًّا، يُشكّل الذكاء الاصطناعي اليوم تحدّيًا جديدًا لمعنى الإنسان، وحدود السوق، وأخلاقيّات العمل.

البابا لا يهرب إلى الوراء، بل يستدعي الماضي ليضيء الحاضر ويواجه المستقبل بثقة.

٣. رسالة نبويّة ذات طابع اجتماعيّ وإنسانيّ
الاسم المختار لا يحمل فقط دلالة لاهوتيّة، بل يُشير إلى أولويّة القضايا الاجتماعيّة والإنسانيّة. فالثورة التقنيّة الراهنة تهدّد – على نحو غير مسبوق – المعايير التالية:

معنى العمل البشريّ،
العدالة الاقتصاديّة،
كرامة الإنسان،
حضور الإنسان أمام سلطة الآلة والسوق.

  من هنا، فإن اسم لاوُن يُشير إلى معركة أخلاقيّة جديدة، ليس فقط على صعيد القيم المسيحيّة، بل على صعيد النماذج الاقتصاديّة والبُنى التقنيّة.

 ٤. موقفٌ نقديّ تجاه الذكاء الاصطناعيّ
الربط الصريح بين الذكاء الاصطناعيّ واسم البابا يكشف وعيًا عميقًا بخطورة التحوّلات الجارية.
كما كانت الآلة في القرن التاسع عشر تحتاج إلى ترويض أخلاقيّ، كذلك الخوارزميّات اليوم تحتاج إلى توجيه إنسانيّ.
الذكاء الاصطناعيّ ليس شرًّا في ذاته، ولكن تركه بلا ضوابط أخلاقيّة يُهدّد العدالة والحرّيّة والكرامة.

٥. إعادة مركزيّة التعليم الاجتماعيّ الكاثوليكيّ
هذا الاختيار يكرّس التعليم الاجتماعيّ للكنيسة لا كملحق رعويّ أو ظرفيّ، بل كبُعد جوهريّ في رسالة الإنجيل.
الكرامة، والعدالة، والعمل ليست مجرّد موضوعات سياسيّة أو اقتصاديّة، بل جوهر لاهوت التجسّد، وموقع التقاء بين الإيمان والتاريخ.

خلاصة
اختيار البابا لاوُن الرابع عشر لهذا الاسم هو "إعلانٌ رؤيويّ": كنيسةٌ تسير في خطٍّ نبويّ واجتماعيّ، تُؤمن بأنّ الدفاع عن الإنسان في وجه الظلم – وأيضًا في وجه الذكاء الاصطناعيّ غير المضبوط – هو امتداد طبيعيّ لإيمانها بالمسيح المتجسّد، الإله الذي صار إنسانًا.
وفي النهاية، فإنّ بعض الأصوات التي ربطت اختيار الاسم بأحداث خلقيدونية قبل ١٥٠٠ عام تُظهِر "مدى الفجوة الحضاريّة والإيمانيّة في الفكر اللاهوتيّ الشرقيّ"، حيث لم يزل اللاهوت في بعض الأوساط يكرّر تفسيراتٍ عتيقةً، غافلًا عن تحوّلات الحاضر، ويستعمل لغةً لا تُخاطب إنسان القرن الحادي والعشرين.

الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ