في قلب غابات الأمازون الساحرة، حيث تتشابك الأشجار وتتعانق الأنهار، يرتفع جبل "سيرو إل كونو" كلغزٍ طبيعي يأسر العقول ويخطف الأنفاس. هذا الصرح الهرمي المثالي، الذي يعانق السحاب بارتفاع 400 متر، يقف وحيدًا وسط سهول الأمازون الخضراء، كأنه بوابةٌ إلى عالمٍ آخر، في الأيام الصافية، يمكن رؤيته من مسافة 400 كيلومتر، حتى من قمم الأنديز البعيدة، كمنارةٍ تتحدى الزمن.
ما يجعل "سيرو إل كونو" استثنائيًا ليس فقط شكله المخروطي الدقيق، الذي يبدو وكأنه نحتته يدٌ خفية، بل موقعه المنعزل وسط الغابات الكثيفة.
يظهر فجأة، كقلعةٍ من الصخور تحيط بها بحرٌ من الخضرة، مما يثير تساؤلاتٍ لا نهائية عن أصله.
هل هو بركانٌ خامدٌ استيقظ ذات يوم ثم نام إلى الأبد؟ أم هو تكوينٌ صخريٌ نادرٌ شكّلته رياح الزمن وأمطار العصور؟ أم ربما، كما يروي السكان الأصليون، هو "أبو الأنديز"، كائنٌ روحيٌ مقدسٌ يحرس أراضيهم ويحتضن أرواحهم؟
وحتى الصحف، مثل "لا ريبوبليكا"، تضيف للغز نكهةً جديدة، متسائلةً إن كان هذا الجبل يخفي تحت طبقاته أنقاض هرمٍ بناه أجدادٌ منسيون.
لكن الطبيعة حول "سيرو إل كونو" لا تقل سحرًا عن الجبل نفسه. على مقربة من نهر أوكايالي، أحد شرايين الأمازون النابضة، تزخر المنطقة بتنوعٍ حيويٍ مدهش: نمورٌ تخطو بثقة، مدرعاتٌ عملاقة تتجول بهدوء، وقرودٌ تملأ الفضاء بأصواتها المرحة.
في عام 2015، أدركت بيرو كنزها الطبيعي، فأعلنت المنطقة جزءًا من "منتزه سييرا ديل ديفيسور الوطني". لكن التحديات لا تزال قائمة، حيث تهدد إزالة الغابات غير القانونية والصيد الجائر هذا الملاذ الفريد.
العلماء، في سعيهم لفك اللغز، يرجحون أن "سيرو إل كونو" قد يكون مخروطًا بركانيًا غريب الشكل أو سدادةً بركانيةً صلبة، تشكلت عندما بردت الصهارة في قلب بركانٍ قديم، أو ربما هو تداخلٌ ناريٌ، كتلةٌ من الصخور المنصهرة تجمدت تحت الأرض قبل أن تكشف عنها التعرية، مهما كان التفسير، يبقى هذا الجبل تحفةً جيولوجيةً نادرة، شاهدةً على قدرة الطبيعة على صنع المعجزات.
"سيرو إل كونو" ليس مجرد جبل، بل قصةٌ حيةٌ ترويها الأمازون. إنه دعوةٌ للتأمل في أسرار الأرض، وتذكيرٌ بأن الطبيعة، بكل غموضها، ستظل دائمًا مصدر إلهامٍ لا ينضب.