وجه أيمن فايز، فنان تشكيلي وكاتب إِيقونة بيزنطية، رسالة مفتوحة إلى الكنيسة بمناسبة تنصيب البابا ليو الرابع عشر بابا الفاتيكان.

وجاء نص الرسالة:

إلى الكنيسة التي تحملني في قلبها.. في يوم تتوجه فيه أنظار العالم نحو كاتدرائية القديس بطرس، حيث يتوج الروح القدس حبراً أعظم جديداً، لا أملك إلا أن أرسم بالكلمات صلاة تعبر حدود المنازل الروحية، ليست هذه كلمات نقد، بل دعوة من فنان يحاول أن يخيط جروح الجمال بخيوط الإيمان.

إن انتقال القيادة الكنسية ليس مجرد حدث إداري، بل هو نبضة حياة جديدة تذكرنا أن الكنيسة جسد حي يتنفس بالروح، ويبني نفسه لا بالحجارة فحسب، بل بألوان الأيقونات التي تتحدث، وترانيم الأجواء التي تصلّي، وصمت الجدران التي تسجد.

إلى رجال الدين، حماة الإيمان وراعيو النفوس، أنتم قلب الكنيسة وروحها، وبدوركم الرسولي وبصلواتكم وتوجيهاتكم يبقى الجمال المقدس حيّاً ينبض في قلوب المؤمنين، الفن الكنسي ليس ترفاً ولا زخرفة، بل هو رسالة مقدسة تعانق الروح وتغذي الإيمان، أدعوكم لأن تكونوا شركاء في دعم الفنانين، لتُعانق أعمالهم نفوس الجماعة، وتكون جسوراً بين السماء والأرض.

فأعيدوا للفن روحه اللاهوتية، لا تجعلوه زخرفة تزين الجدران، بل لغة تناجي العرش السماوي، اجعلوا الفنان كاهناً يرفع ألوانه قرباناً، والريشة صلاة صاعدة مع بخور المذبح، في زمن يغمره القبح، لن ينقذنا إلا جمال مقدس يكشف عن وجه الله بلغة لا تعرفها إلا القلوب الجائعة.

إلى الفنانين، أنتم حملة السر المقدس، لا ترضوا بأن تكونوا صناع ديكورات! أنتم تحملون في أصابعكم ناراً أُخذت من مذبح السماء، اكتبوا الإِيقونة كما يُكتب الوحي، برعدة القدس ودهن الإلهام، كل خط ترسمونه هو سجدة، وكل لون هو تسبيحة.

إياكم أن تقلدوا! فالفن الكنسي ليس نسخة عن ماضٍ، بل حوار خالد بين الروح والزمن، اخدموا الحق بلون صادق، وارفضوا أن تكونوا ظلّاً لغيركم، الفنان الحقيقي هو من يرسم بلغة الأبدية، لا باللهجة العالمية.

إلى الإعلاميين، أنتم حراس الجمال، ليس دوركم أن تنقلوا الخبر فحسب، بل أن تنحتوا به وعي الجماعة، لا تستبيحوا قدسية الفن بتصويره كسُلعة تافهة، ولا تخفوه وراء ضجيج الأخبار، الإعلام المسيحي هو بشارة بالجمال، ورسالة تذكر العالم أن الكنيسة ليست حصناً مغلقاً، بل أماً تحضن الإبداع كطفلها المقدس.

احملوا مشعل الجمال في عالم يغرق في العشوائية، اكشفوا عن تلك اليد الخفية التي ترسم بالذهب والتراب، وانشروا قصص الفنانين الذين يصنعون من ألوانهم صلوات.

ختاما: الفن هو نفس الكنيسة، إن تنصيب البابا لاون الرابع عشر لحظة لتجديد العهد بين الكنيسة والجمال، لتكن هذه المرة بداية لعصر يكون فيه الفن لسان الروح، ويصير الفنانون رسلاً يحملون نور الإيمان بريشاتهم، فالكنيسة بدون فن كجسد بدون روح، والفن بدون إيمان كرسْم بدون نور، لنحفظ هذا الحب القديم بين الجمال والحق، ففيه سر بقائنا.. "الفن ليس وسيلة... هو وجه للحق، والكنيسة التي تنسى وجهها، تنسى أنها عروس".