القمص يوحنا نصيف

كنيسة السيّدة العذراء بشيكاجو
ناقشتُ في المقال الماضي الأمر الأوّل الذي أتمنّى أن يهتمّ به بابا روما الجديد؛ وهو بخصوص احتياج الكنيسة الكاثوليكيّة لنهضة من جهة التعليم المسيحي على المستوى الشعبي، إذ أنّ معظم الشعب الكاثوليكي، وبالتحديد في أمريكا الشمالية والجنوبيّة -وفيهما الغالبيّة العظمي من الكاثوليك في العالم- هم غارقون في حالة جهل شديد بأساسيّات الإيمان المسيحي، وهذا ما يؤثِّر سلبيًّا على سلوكهم، ويُضعِف شهادتهم لربّنا يسوع المسيح. لذلك ما أتمنّاه أنّ البابا ليو الرابع عشر يبدأ في وضع خطّة جادّة للاهتمام بتعليم شعب كنيسته، من الصغير إلى الكبير -في المدارس والكنائس- أساسيّات المسيحيّة ووصايا الكتاب المقدّس، بشكل مكثّف، من خلال برامج دراسيّة مستمرّة، شيّقة وعمليّة!
 
الأمر الثاني: السعي تجاه وحدة الكنائس
 إنّ أيّ إنسان مسيحي، صادق في محبّته للربّ يسوع، هو بالتأكيد يريد أن تكون كنيسة الله واحدة؛ تحقيقًا لرغبة السيّد المسيح واشتياقه، فهو يريد أن يكون الجميع واحِدًا فيه (يو17: 21-23). هذا الهدف لا ينبغي أبدًا أن يغيب عن صلواتنا؛ فهو اشتياق كلّ مؤمن يحيا بالروح ويشعر بعضويّته في جسد المسيح، إذ يُدرِك أنّ الوحدة المسيحيّة بمحبّة حقيقيّة ستكون أعظم شهادة للمسيح، أمام غير المؤمنين في العالم كلّه!
 
في السنوات الماضية، قام المتنيّح البابا فرنسيس بمجهودات كبيرة للتقارب والتلاقي مع رؤساء العديد من الكنائس الأُرثوذكسيّة في العالم، مع فتح قنوات الحوار التي تُمَهِّد للفهم المشترَك، وبالتالي بناء الثقة والعلاقات الطيّبة بين الكنائس.. وأتمنّى أن يقوم قداسة بابا روما الحالي بخطوات أوسع في هذا الاتجاه
 
ربّما ليست مصادفة أن يتم انتخاب البابا الجديد في يوم 8 مايو، وهو يوم احتفالنا -نحن الأقباط- بعيد استشهاد القديس مرقس الرسول كاروزنا الحبيب، وهو أيضًا الكارز المسكوني الذي بشّر في قارّات العالم القديم الثلاث، وكتب إنجيله لكلّ المؤمنين بالمسيح، زارعًا بذار محبّة المسيح في قلوبٍ كثيرة؛ تلك المحبّة التي هي رباط الكمال (كو3: 14).
 
 بالتأكيد السعي نحو وحدة الكنائس يحتاج لمثابرة وطول أناة وتواضع كبير من الجميع، كما يحتاج لعقول مستنيرة تفهم بوضوح جوهر الإيمان، وتحترم التنوّع الثقافي واللغوي، وتستوعِب المسارات التاريخيّة، وتتجاوز الصراعات القديمة، من أجل العودة إلى الجذور الأولى التي تحمل الإيمان الواحد المستقيم.
 إنّ أبطالَ الإيمان، من آباء الكنيسة الأوائل الذين نعرفهم، كانوا دائمًا حريصين على سلام ووِحدة الكنيسة، وبذلوا مجهودات عظيمة من أجل لَمّ الشمل وتحقيق تلك الوحدة الكنسيّة.. ومَن يَدرِس مواقف القدّيس البابا أثناسيوس والقدّيس البابا كيرلّس من آباء كنيسة الإسكندريّة -على سبيل المثال- يَرى كيف أنّهم قَبلوا بصياغات متعدّدة للإيمان مادامت تُعَبِّر عن الحقّ نفسه.
 
 أمّا السكوت على الأوضاع الحالية، أو التعالي على الآخَرين، أو التمسُّك بأفكار حديثة فرعيّة ليس لها أصل، أو عدم الاهتمام ببذل مجهودات فعّالة في اتّجاه التقارب والتفاهُم.. فهذا هو ما يريده عدوّ الخير للكنيسة، لكي تظلّ مُقَسَّمة ويبقى أعضاؤها متفرِّقين، متحزّبين لطوائفهم!
 في تقديري هناك ثلاثة عوامل أساسيّة يُمكِن أن تكون مؤثّرة في نجاح مساعي الوحدة:
العامل الأوّل: اختيار عناصر مناسِبة لقيادة الحوارات اللاهوتيّة بين الكنائس؛ عناصر تتمتّع بالحُبّ والتواضع والقوّة، والعمق الدراسي والخبرة والصبر، والقُدرة على التفاهم وحلّ المُعضِلات.
 
  العامل الثاني: الاتفاق بين قادة الكنائس على تهيئة الأجواء المحلّيّة في كلّ كنيسة، من خلال الشرح والتعليم.. مع وضع جدول زمني مناسب لهذه العمليّة.
  العامل الثالث: ترتيب لقاءات منتظمة لصلوات جماعيّة، تُقَدّم لله باتّضاع؛ صلوات من كلّ القلب، وليست مجرّد صلوات شكليّة.. يشترك فيها كلّ قادة الكنائس مع جميع شعوبهم.
 
في الختام، أضع هذه الأفكار والأمنيات البسيطة بين يديّ عريس الكنيسة، ربّنا يسوع المسيح، لكي يباركها.. واثقًا أنّه قادر أن يُعين خُدّامه الأمناء على تتميم إرادته وخطّته الخلاصيّة، كي نكون واحدًا فيه ومعه إلى الأبد.