عز توفيق
الزواج في المفهوم المسيحي ليس مجرد اتفاقية اجتماعية أو عقد قانوني بين شخصين، بل هو سر مقدس، رباط سماوي جمعه الله بنقاوة وقدسية ليكون صورة حية للحب الإلهي الذي لا يعرف حدودًا ولا ينتهي. هذا الرباط المقدس ليس قيدًا يُفرض على الإنسان، بل هو دعوة للعيش في شركة مقدسة تعكس محبة المسيح لكنيسته. فالزواج ليس هدفه منع الطلاق بأي ثمن، بل تكريسه لقيم الحب المتبادل والاحترام والتعايش المقدس، حتى لا يفرق هذا الرباط سوى الخطيئة التي تدمر قدسيته، كالإهانة والإيذاء والزنا وغياب الحب والاحتواء والاهتمام.  

عندما خلق الله الإنسان، قال: "لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعُ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ" (تكوين 2: 18). وهكذا أسس الله الزواج كشركة مقدسة بين الرجل والمرأة، حيث يصيران جسدًا واحدًا وروحًا واحدة. قال الرب يسوع: "لِذَلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الِاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ" (متى 19: 5-6). هذه الكلمات تؤكد أن الزواج رباط إلهي مقدس، والله هو الذي يربط، والإنسان مدعو لحفظ هذه الوحدة لا لتدميرها.  

لكن الحفاظ على هذه الوحدة لا يعني البقاء في علاقة مسمومة تفتقر إلى المحبة والاحترام. فالزواج المقدس لا يعني أن يعيش الزوجان في جحيم من الإهانة أو العنف أو الخيانة، بل يعني العيش في شركة مقدسة تقوم على الحب المتبادل والتضحية. يقول الرسول بولس: "أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضَ الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لِأَجْلِهَا" (أفسس 5: 25). هذه المحبة ليست عاطفة عابرة، بل هي اختيار يومي للتضحية والاحتواء والاهتمام. فالمسيح أحب الكنيسة حتى الموت، وهكذا يجب أن يكون الحب الزوجي: حبًا يبذل ولا ينتظر، يحترم ولا يهين، يبني ولا يهدم.  

لكن ماذا يحدث عندما يتحول الزواج من شركة مقدسة إلى ساحة حرب؟ عندما تختفي المحبة ويحل محلها الجفاف العاطفي، أو عندما تدخل الخطيئة إلى هذا الرباط المقدس كالزنا أو العنف أو الإهانة المستمرة؟ الكتاب المقدس لا يتجاهل هذه الحقائق المؤلمة، بل يعترف بها ويقدم الحكمة الإلهية للتعامل معها. يقول سليمان الحكيم: "وَأَمَّا الْبَغَضَةُ فَتُهَيِّجُ خُصُومَاتٍ" (أمثال 10: 12). فإذا دخلت البغضة إلى قلبَي الزوجين، فإنها تدمر كل شيء، لأن "المحبة لا تسقط أبدًا" (1 كورنثوس 13: 8)، لكن البغضة تسقط بكل شيء.  

لذا، عندما تحدث الرب يسوع عن الطلاق، قال: "مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلَّا لِعِلَّةِ الزِّنَى فَقَدْ جَعَلَهَا تَزْنِي" (متى 5: 32). هنا نرى أن الزنا هو خيانة للرباط المقدس، وهو ما يجعل الفراق أمرًا مفهومًا في بعض الحالات. فالزواج ليس تكبيلًا في علاقة مسمومة، بل هو شركة مقدسة يجب أن تُبنى على المحبة والاحترام. فإن فُقدت هذه القيم، فقدت العلاقة قدسيتها. فالرباط الزوجي يجب أن يكون انعكاسًا لمحبة المسيح لكنيسته، فإن تحول إلى عكس ذلك، فإنه يفقد معناه الروحي.  

لكن الطلاق ليس الحل الوحيد عندما تواجه العلاقة صعوبات. فالكتاب المقدس يشجع على الصبر والمحاولة لإصلاح ما يمكن إصلاحه. يقول الرسول بولس: "لِيَكُنِ الزُّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ" (عبرانيين 13: 4). فإذا كانت هناك إمكانية للمصالحة وإعادة بناء الثقة، فهذا هو الطريق الأفضل. لكن إن استحالت الحياة المشتركة بسبب الخطيئة أو العنف أو الإهانة، فإن الفراق يصبح خيارًا مؤلمًا لكنه ضروري في بعض الأحيان.  

فالزواج المقدس ليس ضمانًا بعدم الانفصال، بل هو دعوة لبناء علاقة قائمة على المحبة والاحترام. "المحبة تتأنى وترفق، المحبة لا تحسد، المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ" (1 كورنثوس 13: 4). هذه المحبة هي التي تحفظ الزواج، وعندما تختفي، تختفي معها القدسية. فالزواج ليس مجرد بقاء معًا، بل هو عيش في محبة الله وقداسته.  

لذلك، فليحفظ كل متزوجين رباطهما بالمحبة والقدسية، فإن ضاعت هذه القيم، ضاع المعنى الحقيقي للزواج. "لأن الله لم يدعنا للنجاسة بل في القداسة" (1 تسالونيكي 4: 7). فالحفاظ على الزواج ليس بالبقاء في علاقة مدمرة، بل بالعيش في محبة الله وقداسته، فإن فشل الإنسان في ذلك، فإن الزواج يفقد بركته.  
فالزواج المقدس هو هبة من الله، وعطية يجب أن تُحفظ بكل قدسية. فإن حفظها الزوجان بالمحبة والاحترام، ازدهرت وباركها الرب. وإن أهينت بالخطيئة والكراهية، فقدت بركتها. فليكن زواجنا دائمًا انعكاسًا لمحبة المسيح، التي لا تنتهي أبدًا.